للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن لا تكنه أو يكنها فإنّه ... أخوها غذته أمّه بلبانها

وقد ضعّفوا بعض أحاديث الحجازيين، وحملوا الأخرى على أنّ الأنبذة سمّيت خمرا فيها مجازا.

قالوا: يدلّ على أنه لا يحرم من الأنبذة إلا ما أسكر ما

أخرجه الطحاوي عن أبي موسى قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا ومعاذ إلى اليمن، فقلنا: يا رسول الله، إنّ بها شرابين يصنعان من البرّ والشّعير أحدهما يقال له: المزّ، والآخر يقال له: البتع فما نشرب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «اشربا ولا تسكرا» «١» .

قالوا: ويدلّ من جهة النظر لما ذكرناه من أن قليل الأنبذة ليس بحرام أنّ الله ذكر في علّة تحريم الخمر قوله: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فوجب لهذه العلة ألا يحرم من المسكرات إلا القدر المسكر، لأنه هو الذي توجد فيه هذه العلة، ولكن انعقد الإجماع على تحريم قليل الخمر وكثيرها، فوجب أن يبقى قليل الأنبذة على الإباحة.

ونحن إذا تأملنا في أدلّة الفريقين ما ذكر منها وما لم يذكر ترجّح عندنا قول الحجازيين، لأنّ الصحابة لمّا سمعوا تحريم الخمر فهموا منه تحريم الأنبذة، وهم كانوا أعرف الناس بلغة العرب ومراد الشّارع. وقد ثبت ذلك من حديث أنس «٢» قال: كنت ساقي القوم حين حرّمت الخمر في منزل أبي طلحة، وما كان خمرنا يومئذ إلا الفضيخ، فحين سمعوا تحريم الخمر أهرقوا الأواني وكسّروها، والفضيخ نقيع البسر.

وقد اتفقوا مع الحجازيين على أنّ الله حرم من عصير العنب الكثير للسّكر، والقليل، لأنّه ذريعة إلى الكثير، فوجب أن يكون كذلك في سائر الأنبذة، حيث لا فارق.

[تحريم الميسر]

قد ذكر الله الميسر مع الخمر هنا، كما ذكره معها في آية المائدة [٩٠] ، فما قلناه في دلالة الآية على تحريم الخمر يقال أيضا في الميسر.

وقد ذكرنا أصل الميسر واشتقاقه، وأنه كان يطلق على ضرب القداح على أجزاء الجزور قمارا، ثم أطلق على النرد وكل ما فيه قمار. ونريد هنا أن نبيّن صفة الميسر عند العرب باختصار.


(١) انظر شرح معاني الآثار للطحاوي (٤/ ٢٢٠) .
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٥/ ٢٢٥) ، ٦٥- كتاب التفسير، ١٠- باب قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ حديث رقم (٤٦١٧) ، ومسلم في الصحيح (٣/ ١٥٧٠) ، ٣٦- كتاب الأشربة، ١- باب تحريم الخمر حديث رقم (٣/ ١٩٨٠) .

<<  <   >  >>