يملك أهبة النكاح، وقسم لا يملكها. فالفقراء العاجزون عن أسباب النكاح الذين لا يملكون أهبته قد ندبهم الله بهذه الآية إلى ترك النكاح وأرشدهم إلى ما هو أولى بهم وأصلح لحالهم: من الاستعفاف وصون النفس إلى وجدان الغنى، وحينئذ يتزوجون، فتعيّن أن يكون الفقراء الذين ندب الله إلى إنكاحهم بقوله: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هم الذين يملكون أهبة النكاح، ولا شكّ أنّ الفقير الذي يملك أهبة النكاح يندب له أن يتزوج.
والحنفية يبقون الآية السابقة على عمومها، ويؤوّلون النكاح في هذه الآية على أنّه صفة بمعنى اسم المفعول، ككتاب بمعنى المكتوب، فالأمر بالاستعفاف هنا محمول على من لم يجد زوجة له، وحينئذ لا تعارض بين الآيتين، ولا يخفى أنّ الغاية في قوله تعالى: حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ تجعل هذا التأويل بعيدا كل البعد.
والكلام فيما يعتري النكاح من الأحكام واختلاف المذاهب فيه مرجعه إلى كتب الفروع.
واستدلّ بعض الناس بهذه الآية على بطلان نكاح المتعة، لأنه لو كان صحيحا لم يتعيّن الاستعفاف سبيلا للتائق العاجز عن مبادئ النكاح وأسبابه، وظاهر الآية أنّه لا سبيل له إلا أن يصبر ويستعفف.
وقد يقال: إذا صحّ هذا كان دليلا على تحريم الوطء بملك اليمين.
والجواب: أن من عجز عن المهر يكون عن شراء الجارية أشد عجزا في المتعارف الأغلب عند الناس، فلا سبيل له إلا أن يصبر ويستعفف.
الكتاب والمكاتبة: مصدرا كاتب كالعتاب والمعاتبة. والكتابة بمعنى العقد الذي يجري بين السيد وعبده على عتقه بعد أن يؤدي مالا يتفقان عليه، لفظة إسلامية لا تعرفها الجاهلية. وسمّي هذا العقد كتابة إما لأنّ العادة جارية بكتابته لتأجيل العوض فيه، وإمّا لأنّ السيد كتب على نفسه عتقه إذا أدى المال، وإما لأنّ العوض فيه يكون منجما بنجوم يضم بعضها إلى بعض مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ عامّ في العبيد والإماء إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً للعلماء في تفسير الخير هنا أقوال: منها أنّ المراد به الأمانة والقدرة على الكسب، وذكر البيضاوي أنّ هذا التفسير قد روي مرفوعا، وهو مروي عن ابن عباس، واختاره الشافعي، لأنّ مقصود الكتابة لا يحصل إلا بأمانة العبد، وقدرته على