للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذه المناسبة ينبغي أن نذكر حكم قذف الزوج زوجته وحكم نفيه الولد:

قال العلماء: لا يحل للرجل قذف زوجته إلا إذا علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا، كأن شاع زناها بفلان، وصدّقت القرائن ذلك. والأولى به تطليقها سترا عليها ما لم يترتب على فراقها مفسدة. هذا إذا لم يكن هناك ولد، فإن أتت بولد علم أنه ليس منه، أو ظنه ظنا مؤكدا وجب عليه نفيه، وإلا كان بسكوته مستلحقا لمن ليس منه، وهو حرام، كما يحرم عليه نفي من هو منه. وإنما يعلم أنّ الولد ليس منه إذا لم يطأها أصلا، أو وطئها وأتت به لدون ستة أشهر من الوطء. فإن أتت به لستة أشهر فأكثر، فإن لم يستبرئها بحيضة حرم النفي، وإن استبرأها بحيضة كان ذلك في مجال النظر، فإن قلنا إنّ الحمل لا يمنع الحيض حرم النفي، وإن قلنا إنّ الحمل يمنع الحيض حل النفي. وإذا وطئ وعزل حرم النفي، وكذلك إذا علم زناها وجاز كون الولد منه وكونه من الزنى حرم النفي لتقاوم الاحتمالين، والولد للفراش.

قال الله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠) فيه التفات من الغيبة إلى خطاب الرامين والمرميات بتغليبهم عليهن، وسرّ هذا الالتفات أن يستوفي مقام الامتنان حقّه في المواجهة، وحال الحضور أتم وأكمل منه في الغيبة وعدم المواجهة، وجواب (لولا) محذوف، وإنما حسن حذفه ليذهب الوهم في تقديره كل مذهب، فيكون أبلغ في البيان، وأبعد في التهويل والإرهاب، على حد قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [الأنعام: ٢٧] والمعنى أن من آثار فضل الله عليكم ورحمته بكم وتوبته على عباده وحكمته في أفعاله أن شرع اللعان بين الزوجين، ولولا ذلك لحصل لهما من الحرج ما لا يحيط به البيان، فلو لم يكن اللعان مشروعا لوجب على الزوج حدّ القذف، مع أن الظاهر كما تقدم صدقه، وأنه لا يفتري عليها لاشتراكهما في العار والخزي، ولو جعل شهاداته موجبة لحد الزنى عليها لفات النظر لها، ولو جعل شهاداتها موجبة لحد القذف عليه لفات النظر له. فكان من الحكمة وحسن النظر لهما جميعا أن جعل شهادات كلّ منهما دارئة لما توجه إليه من عذاب الدنيا، وآذن الكاذب منهما أن يلج باب التوبة حتى ينجو من عذاب الآخرة، فسبحانه ما أوسع رحمته، وأجلّ حكمته.

[الاستئذان في دخول البيوت]

قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧)

الآيات التي تقدّمت في صدر الصورة كانت في حكم الزنى وبيان أنّه قبيح ومحرّم، وأنّ صاحبه يستحق العذاب والنكال، ولما كان الزنى طريقه النظر والخلوة

<<  <   >  >>