للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاطلاع على العورات، وكان دخول الناس في بيوت غير بيوتهم مظنة حصول ذلك كلّه أرشد الله عزّ وجلّ عباده إلى الطريقة الحكيمة التي يجب أن يتبعوها إذا أرادوا دخول هذه البيوت، حتى لا يقعوا في ذلك الشر الوبيل، وأيضا فإنّ أصحاب الإفك لم يكن لهم متكأ في رمي عائشة رضي الله عنها إلا أنها كانت مع صفوان في خلوة أو ما يشبه الخلوة، لذلك نهى الله سبحانه وتعالى عن دخول البيوت بغير إذن حتّى لا يؤدي ذلك إلى القدح في أعراض البرآء الأطهار.

روي في سبب نزول هذه الآية أن امرأة أتت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على الحالة التي أحبّ أن لا يراني عليها أحد، ولا ولد ولا والد فيأتيني آت، فيدخل عليّ فكيف أصنع؟ فنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ.

وكلمة بُيُوتاً نكرة واقعة في سياق النهي فكانت في ظاهرها شاملة البيوت المسكونة وغير المسكونة، إلا أن مقابلتها بقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ يقتضي حملها على المسكونة فقط. والمراد بالبيوت المضافة إلى المخاطبين في قوله تعالى: غَيْرَ بُيُوتِكُمْ البيوت التي يسكنونها. فالمعنى: لا تدخلوا بيوتا مسكونة لغيركم حتى تستأنسوا إلخ.

الاستئناس: استفعال. قيل: إنه من آنس بالمد بمعنى علم فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء: ٦] فالاستئناس طلب العلم. فالذي يريد أن يدخل بيت غيره مكلّف قبل الدخول أن يستأنس، أي يتعرّف من أهله ما يريدونه من الإذن له بالدخول وعدمه، فهو بمعنى الاستئذان. وقد فسّره بذلك ابن عباس كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم وابن الأنباري وابن جرير «١» وابن مردويه. وهو أيضا تفسير ابن مسعود وإبراهيم وقتادة رضي الله عنهم.

ويدل على أنّ المراد بالاستئناس الاستئذان قوله تعالى: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور: ٥٩] فإنّ المراد بالذين من قبلهم هم المخاطبون في الآية التي معنا. وقد سمّى الله تعالى استئناسهم استئذانا.

وعن ابن عباس من طريق شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه أنه كان يقرأ هذا الحرف حتى تستأذنوا ويقول: غلط الكاتب. وهذا يوافق ما رواه الحاكم وصححه والضياء في كتابه «الأحاديث المختارة» والبيهقي عن ابن عباس أيضا أنه قال في: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا أخطأ الكاتب. وإنما هي حتى تستأذنوا ومن أجل أنّ هذه الرواية فيها كما ترى دلالة على أن ابن عباس ينكر وجها من وجوه القراءات المتواترة


(١) في تفسيره جامع البيان، المشهور بتفسير الطبري (١٨/ ٨٧) . [.....]

<<  <   >  >>