للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل الحديث، فيكون فيه حجة على جواز نكاح الزانية، وعلى أنّ الزوجة إذا زنت لا ينفسخ نكاحها.

وأما تأويل من تأوّله على أنها سخية تعطي، ولا ترد من يلتمس منها مالا، فهو تأويل بعيد عن الصواب، إذ لو أراد هذا لقال: لا ترد يد ملتمس، ولقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أحرز عنها مالك.

وقد يقال: لماذا بدئ بالزاني هنا وبدئ بالزانية في الآية السابقة، وما السر في ذلك؟

والجواب: أنه بدئ بالزانية هناك لما علمت آنئذ وبدئ بالزاني هنا لأنّ هذه الآية مسوقة لذكر النكاح، والرجل فيه هو الأصل، لأنّ إبداء الرغبة والتماس النكاح بالخطبة إنما يكون من الرجل لا من المرأة في مجرى العرف والعادة.

قد يظن من لا يدقق النظر أنّ معنى الجملتين: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ واحد، وأنّه لا فرق بينهما، ولكن هذا ظنّ خاطئ، لأنّ معنى الجملة الأولى أنّ الزاني لا يرغب إلا في زانية أو مشركة، ولو اقتصر على هذه الجملة لم يعرف حال الزانية، فجاءت الجملة الثانية مبينة أنه لا يرغب فيها إلا زان أو مشرك، فالجملة الأولى تصف الزاني بأنّه لا يرغب في العفيفات المؤمنات، وإنما يرغب في الفواجر أو المشركات، والجملة الثانية تصف الزانية بأنّها لا يرغب فيها الأعفاء المؤمنون، وإنما يرغب فيها الفجار أو المشركون، وهذان معنيان مختلفان، لأنّه لا يلزم عقلا من كون الزاني لا يرغب إلا في زانية أنّ الزانية كذلك لا يرغب فيها غير الزاني، فجاءت الجملة الثانية مبينة لهذا المعنى.

[حد القذف]

قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) أصل الرمي: القذف بشيء صلب، يقال: رمى فلانا بالحجر ونحوه: قذفه به، ورمى الحجر: ألقاه، واستعمال الرمي في الشتم مجاز، وهو المراد هنا، والقرينة قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ لأنّ الإتيان بالشهادة هنا في مصلحة الرامين، وليس من المعقول أن يكون من مصلحتهم الإتيان بأربعة يشهدون بأنهم رموا المحصنات بالحجر أو نحوه، فتعيّن أن يكون المراد أنّهم يشتمون المحصنات ويرمونهم بالعيب، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يشهدون على صدقهم فيما رموا به المحصنات من العيب. ثم المراد بذلك العيب الزنى، ويدلّ عليه إيراد الجملة عقيب الكلام في الزنى وأحكامه.

والتعبير عن المفعول بالمحصنات، وأشهر معاني الكلمة العفيفات المنزّهات عن

<<  <   >  >>