الزنى، فكأنه قيل: يرمون المنزهات عن الزنى، ويكاد هذا يكون صريحا في أنّ المراد يرمونهم بالزنى، ثم اشتراط أربعة من الشهود مع العلم بأنه لا شيء يتوقف ثبوته على شهادة أربعة إلا الزنى يقوّي أنّ المراد الرمي بالزنى.
وأصل الإحصان: المنع، والمحصن بالفتح يكون بمعنى الفاعل والمفعول، وهو أحد الكلمات الثلاث التي جاءت نوادر يقال: أحصن فهو محصن، وأسهب فهو مسهب، وأفلح- إذا افتقر- فهو مفلح، والفاعل والمفعول في هذه الأحرف الثلاثة سواء.
والمفهومات التي يطلق عليها لفظ الإحصان أربعة: فالمرأة تكون محصنة:
بالعفاف والإسلام، وبالحرية، وبالتزوج. وكذلك الرجل.
والصور التي يتحقق بها القذف أربع: فقد يكون القاذف والمقذوف رجلين، وقد يكونان امرأتين، وقد يكون القاذف رجلا والمقذوف امرأة، وقد يكون القاذف امرأة والمقذوف رجلا. فهل نستطيع أن نأخذ من الآية أحكام الصور الأربع؟ لا شك أنّ الآية جعلت الرامي من جنس الرجال، والظاهر أنّ المراد من المحصنات النساء المحصنات، وحينئذ تكون الآية تعرّضت بالنص لصورة واحدة من الصور الأربع، وهي أن يكون القاذف رجلا والمقذوف امرأة.
أما حكم الصور الثلاث الباقية فإنما يثبت بدلالة النص، للقطع بإلغاء الفارق، وهو صفة الأنوثة في المقذوف، وصفة الذكورة في القاذف، واستقلال دفع العار بالتأثير في شرع الحكم، وحينئذ يكون تخصيص الذكور في جانب القاذف، والإناث في جانب المقذوف لخصوص الحادثة.
وقد أخرج البخاري «١» أنّ الآية نزلت في عويمر وامرأته، وعن سعيد بن جبير أنّها نزلت في قصة الإفك. ومن قال: إنّ المراد بالمحصنات في الآية الفروج المحصنات، أو الأنفس المحصنات، لم يخل قوله عن وهن وضعف.
ولم تشرط الآية في القاذف أكثر من عجزه عن الإتيان بأربعة شهداء، لكنّ قواعد الشرع تقتضي بأنّ المخاطب بمثل هذا الحكم إنما هو أهل التكليف: البالغ العاقل المختار العالم بالتحريم حقيقة أو حكما الملتزم بالأحكام إلى آخر ما هو مبيّن في كتب الفروع.
وكذلك لم تشرط في المقذوف أكثر من أن يكون محصنا، وقد كان يكفي في تحقق الشرط أن يكون المرمي محصنا بأي معنى من معاني الإحصان الأربعة، إلا أنه لما كان ثبوت الحد يجب فيه الاحتياط، فلا يثبت إلا عن يقين: وجب اعتبار سائر
(١) رواه البخاري في الصحيح (٦/ ٣) ، ٦٥- كتاب التفسير، ١- باب الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ حديث رقم (٤٧٤٥) .