راغب في التمتع بما يوجب الإثم، بمعنى أنه يتناول منها ليدفع الضرورة لا للتلذذ، ولا يتجاوز الحد الذي يسدّ الرمق فقوله هنا: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ بمنزلة قوله في سورة البقرة: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ [البقرة: ١٧٣] فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يغفر لهم تناول ما كان محرما إذا اضطروا إليه رَحِيمٌ بعباده حيث أحسن إليهم بإباحة ما يدفع عنهم الضرر ولو كان محرّما.
[الأحكام]
يؤخذ من الآية ما يأتي:
١- حرمة الميتة وما ذكر معها في الآية.
٢- حلّ البهيمة المذكاة من المنخنقة وما معها متى ذكّيت وبها حياة.
٣- إباحة هذه المحرمات عند الاضطرار إليها لدفع الضرر.
٤- أنّ حل التناول من هذه المحرمات مقيّد بأمرين:
الأول: أن يقصد بالتناول دفع الضرر فقط.
الثاني: أن لا يتجاوز ما يسدّ الرمق، أما إذا قصد التلذذ وإرضاء الشهوة، أو تجاوز المقدار الذي يدفع الضرر، كان واقعا في المحرم على خلاف في ذلك تقدم تفصيله في سورة البقرة.
قال الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤) كلمة (ماذا) يجوز أن تجعل اسماء واحدا للاستفهام في محل رفع بالابتداء وجملة (أحلّ لكم) خبر.
ويجوز أن تجعل (ما) وحدها اسم استفهام مبتدأ ولفظ (ذا) بمعنى الذي خبر، وجملة (أحلّ لكم) صلة (لذا) وضمّن السؤال معنى القول، فصح أن ينصب الجملة في قوله (ماذا أحل لهم) .
والطيبات جمع طيب، وهو في اللغة المستلذّ، ويسمى الحلال المأذون فيه طيّبا تشبيها له بما هو مستلذّ، لأنهما اجتمعا في انتفاء المضرّة، ولكنّ المراد به هنا المستلذ لا الحلال، لأنّه لا معنى لأن يقولوا: ماذا أحل لهم؟ فيقال: أحل لكم الحلال، فإنّه غير مفيد.
والجوارح، جمع جارحة، وهي الكواسب من الطيور والسباع، من (جرح) إذا كسب كما قال تعالى: وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ [الأنعام: ٦٠] أي كسبتم وقال: الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
[الجاثية: ٢١] أي اكتسبوا.