للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) يقول الله جل ذكره: لقد أنزلنا إليكم في هذه السورة آيات تبيّن لكم ما بكم الحاجة إلى بيانه من الأحكام والحدود والشرائع، وأنزلنا لكم فيها مثلا وقصة عجيبة من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم، وموعظة ينتفع بها المتقون.

فما تقدم من أول السورة إلى هنا يشتمل على آيات ذكر فيها الحدود والأحكام الشرعية، وعلى قصة الإفك العجيبة المشابهة لقصة يوسف وقصة مريم عليهما السلام، حيث اتهما بما اتهمت به عائشة رضي الله عنها من الإفك، فبرأهما الله، وعلى مواعظ وزواجر مثل قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: ٢] وقوله جل شأنه: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ [النور: ١٢] إلخ.

وقال بعض العلماء المراد بالآيات المبينات والمثل والموعظة جميع ما في القرآن الكريم من الآيات والأمثال والمواعظ.

قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨)

روي أنّ أسماء بنت أبي مرثد دخل عليها غلام كبير لها في وقت كرهت دخوله فيه، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فنزلت هذه الآية «١» .

وروي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث وقت الظهيرة إلى عمر رضي الله عنه غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو، فدخل وعمر نائم قد انكشف عنه ثوبه، فقال عمر:

لوددت أنّ الله عزّ وجلّ نهى آبائنا وأبناءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعة إلا بإذن، فانطلق معه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجده وقد أنزلت عليه هذه الآية، فخرّ ساجدا شكرا لله

. وهذه إحدى موافقات رأي عمر للوحي.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنّه قال: كان أناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبهم أن يباشروا نساءهم في هذه الساعات، فيغتسلوا، ثم يخرجون إلى الصلاة، فأمرهم الله تعالى أن يأمروا المملوكين والغلمان ألا يدخلوا عليهم في تلك الساعات


(١) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٥/ ٥٥) .

<<  <   >  >>