للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وقعت هذه المسألة للصحابة، فقال فيها عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت وجمهور الصحابة: إن للأم ثلث ما بقي بعد فرض الزوج، وهو السدس، وللأب الثلث.

وقد خالف فيها ابن عباس، فقال: للأم ثلث المال، وناظر فيها زيد بن ثابت، وقال: أين في كتاب الله ثلث ما بقي؟ فقال زيد: وليس في كتاب الله إعطاؤها الثلث كله مع الزوجين، وقد أشار زيد إلى جواب المسألة، وهو أنّ الله أعطاها الثلث إن لم يكن ولد، وورثه الأبوان فقط، لأنه قال: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فلو كانت تستحقّ الثلث مطلقا ولو مع وارث آخر لكان قوله: وَوَرِثَهُ أَبَواهُ عديم الفائدة، فعلم أنها تستحقّ الثلث إذا لم يكن معهما وارث.

بقيت حالة وهي ألا يكون ولد ولم ينفرد الأبوان بالميراث، وذلك لا يكون إلا مع الزوج والزوجة، فإما أن تعطى الثلث كاملا، وهو خلاف معهود الفرائض، وإما أن تعطى السّدس، والله لم يجعلها لها فرضا إلا في موضعين، مع الولد، ومع الأخوة، وإذا امتنع هذا وهذا، كان الباقي بعد فرض الزوجين هو المال الذي يستحقه الأبوان، ولا يشاركهما فيه مشارك، فهو بمنزلة المال كله إذا لم يكن زوج ولا زوجة، فإذا تقاسماه أثلاثا كان الواجب أن يتقاسما الباقي بعد فرض الزوجين كذلك.

٢- مات رجل، وترك زوجة وأبوين، هذه ثانية العمريتين، وفيها أيضا تأخذ الأم ثلث الباقي في بعد فرض الزوجة، والكلام فيها مثل الكلام في سابقتها سواء بسواء.

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ قال الزمخشري «١» :

متعلق بما تقدم من قسمة المواريث كلها، لا بما يليه وحده، كأنه قيل: قسمة هذه الأنصبة من بعد وصية يوصى بها.

وقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الدين مقدّم على الوصية،

روى ابن جرير «٢» عن علي رضي الله عنه أنكم تقرءون هذه الآية مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى بالدين قبل الوصية، فليس لأحد من الورثة، ولا من الموصّى لهم حقّ في التركة إلا بعد قضاء الدين، ولو استغرق الدّين التركة فليس لأحد شيء.

وهذا الدّين الذي قدّم على الوصية والميراث تقدّم عليه مؤونة تجهيز الميت، فكما أنه لا سبيل للغرماء إلى قوته وكسوته في حياته، كذلك لا سبيل لهم إلى مؤونة تجهيزه في وفاته.

وإنما قدّم الدين على الوصية والميراث، لأن ذمته مرتهنة به، وأداء الدين أولى


(١) في تفسيره الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٤٨٣) .
(٢) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٤/ ١٩٠) .

<<  <   >  >>