للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحد، قال أبو حنيفة ومالك: له صرفها إلى شخص واحد من أحد الأصناف، واستحب مالك صرفها إلى أمسهم حاجة.

قال إبراهيم النخعي: إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف، وإلا وجب استيعاب الأصناف.

وما نقل عن الأئمة الثلاثة هو المروي عن عمر وابن عباس وحذيفة والحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي والثوري، واختار جمع من أصحاب الشافعي جواز دفع صدقة الفطر لثلاثة فقراء أو مساكين، بل ذهب الروياني «١» من الشافعية إلى جواز دفع زكاة المال أيضا إلى ثلاثة من أهل السّهمان، قال: وهو الاختيار لتعذر العمل بمذهبنا، ولو كان الشافعي حيّا لأفتانا به.

وحمل الأئمة الثلاثة وموافقوهم الآية الكريمة على التخيير في هذه الأصناف، ومعناها: لا يجوز صرفها لغير هذه الأصناف، وهو فيه مخير. فالآية لبيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم لا لتعيين الدفع لهم.

ويدلّ له قوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: ٢٧١]

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها إلى فقرائكم» «٢»

فإن عموم ذلك يقتضي جواز دفع جميع الصدقات إلى الفقراء حتى لا يعطى غيرهم، بل ظاهر اللفظ يقتضي إيجاب ذلك،

لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت ... »

فدلّ ذلك على جواز الاقتصار على صنف واحد.

وأما دليل جواز الاقتصار على شخص واحد من أحد الأصناف فهو أن الجمع المعرّف بأل حقيقة إما في العهد وإما في الاستغراق. ومجاز في الجنس الصادق بواحد. والحقيقة هنا متعذّرة، لأنّ الاستغراق غير مستقيم، إذ يصير المعنى أن كل صدقة لكل فقير، وهو ظاهر الفساد، وليس هناك معهود ليرتكب العهد. وإذا تعذرت الحقيقة وجب الرجوع إلى المجاز، فيصير المعنى في الآية.

أن جنس الصدقة لجنس الفقير. وجنس الفقير يتحقق بواحد، فيجوز الصرف إلى شخص واحد.


(١) عبد الواحد بن إسماعيل، فقيه الشافعية في زمانه، رحل إلى بخارى ونيسابور وانتقل إلى الري ثم أصبهان، مات قتلا سنة (٥٠٢) انظر الأعلام للزركلي (٤/ ١٧٥) .
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٢/ ١٣٣) ، ٢٤- كتاب الزكاة، ١- باب وجوب الزكاة حديث رقم (١٣٩٥) و (١٤٩٦) (بلفظ مختلف) .

<<  <   >  >>