للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستاقوا العير، فقدموا بها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لهم: «ما أمرتكم بالقتال في الشّهر الحرام» فوقّف رسول الله الأسيرين والعير، فسقط في أيديهم، وظنّوا أن قد هلكوا، وقالت قريش: قد سفك محمد الدم الحرام، وأخذ المال، وأسر الرّجال، واستحلّ الشهر الحرام، فنزل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ الآية، فأخذ النبي العير، وفدى الأسيرين «١» .

وفي بعض الروايات أن قريشا لما بلغهم الخبر أرسلوا وفدا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: أيحلّ القتال في الشهر الحرام فنزلت.

وقال بعض المسلمين: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر، فأنزل الله:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا.. الآية.

المعنى: يسألك يا محمد أصحابك عن القتال في الشهر الحرام، وهو رجب، قل: قتال فيه إثم كبير وصدّ قريش عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وكفرهم بالله، وإخراجكم من المسجد الحرام وأنتم أهله، كلّ أولئك أكبر إثما عند الله من قتل من قتلتم منهم وقد كانوا يفتنون المسلم عن دينه، حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، وذلك أكبر عند الله من القتل، أي أنكم أيها المسلمون ترتكبون أخفّ الضررين، وأهون الشرين، وتزيلون إثما كبيرا بما هو أقلّ منه.

وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا أي: هم مقيمون على الشر والمنكر، ومن يرجع منكم عن دينه، فيمت وهو كافر قبل أن يتوب، فهم الذين بطلت أعمالهم، وذهب ثوابها والأجر عليها، وهم أهل النار المخلّدون فيها، الماكثون فيها من غير أمد ولا نهاية.

إنّ الّذين صدّقوا بالله، والذين هاجروا مساكنة المشركين فيها في ديارهم، وكرهوا سلطان المشركين، فتحوّلوا عنه خوفا من أن يفتنهم المشركون، وحاربوهم في دين الله، أولئك يطمعون في رحمة الله، والله ساتر ذنوب عباده، ورحيم بهم، ومن المهاجرين عبد الله بن جحش وأصحابه، فنزلت هذه لتطمينهم.

وعلى الرواية الثانية- وهي أنّ وفدا من المشركين سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن القتال في الشهر الحرام- يكون المعنى: إن المشركين متناقضون، يتمسّكون بحرمة الشهر الحرام، ويفعلون ما هو أكبر من ذلك: من الصد عن سبيل الله، ومع الكفر به، والمسجد الحرام وإخراج أهله منه والفتنة التي فتنوا بها بعض المسلمين عن دينهم أكبر إثما عند الله، فهم كمن يبصر القذاة في عين أخيه، ويغفل عن الخشبة المعترضة في عينه.


(١) ذكره الإمام الواحدي النيسابوري في كتابه أسباب النزول صفحة (٦٤) . [.....]

<<  <   >  >>