للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما لا يحرّم إلا القسم الأول، وكان يجوّز ربا الفضل، اعتمادا على ما

روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنما الرّبا في النّسيئة» «١»

ولكن لما تواتر عنده الخبر بأن

النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل، يدا بيد»

وذكر الأصناف الستة كما رواه عبادة بن الصامت وغيره، رجع عن قوله. وأما

قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الربا في النسيئة»

فمحمول على اختلاف الجنس، فإنّ النسيئة حينئذ تحرم، ويباح التفاضل، كبيع الحنطة بالشعير: تحرم فيه النسيئة، ويباح التفاضل. ولذلك وقع الاتفاق على تحريم الربا في القسمين:

أما الأول: فقد ثبت تحريمه بالقرآن.

وأما الثاني: فقد ثبت تحريمه بالخبر الصحيح «٢» : كما

روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد»

واشتهرت روايته هذه حتّى كانت مسلّمة عند الجميع.

ثم اختلف العلماء بعد ذلك، فقال نفاة القياس: إنّ الحرمة مقصورة على هذه الأشياء الستة.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء: إنّ الحرمة غير مقصورة على هذه الأشياء الستة، بل تتعداها إلى غيرها، وإنّ الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلّة، فتتعدى الحرمة إلى كل ما توجد فيه العلّة.

ثم اختلفوا في هذه العلة، فقال الحنفية «٣» : إنّ العلة هي اتحاد هذه الأشياء الستة في الجنس والقدر، أي الكيل والوزن، فمتى اتّحد البدلان في الجنس والقدر، حرم الربا بقسميه، كبيع الحنطة بالحنطة، وإذا عدما معا حلّ التفاضل والنسيئة: كبيع الحنطة بالدراهم إلى أجل، وإذا عدم القدر، واتحد الجنس حلّ الفضل دون النسيئة:

كبيع عبد بعبدين، وإذا عدم الجنس واتحد القدر حلّ الفضل دون النسيئة أيضا: كبيع الحنطة بالشعير.

وقال المالكية: إنّ العلّة هي اتحاد الجنس مع الاقتيات، أو ما يصلح به الاقتيات.


(١) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٢١٨) ، ٢٢- كتاب المساقاة، ١٨- باب بيع الطعام حديث رقم (١٠٢/ ١٥٩٦) .
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٢١٠) ، ٢٢- كتاب المساقاة، ١٥- باب العرف وبيع الذهب حديث رقم (٨٠/ ١٥٨٧) .
(٣) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (٣- ٤/ ٦٧) .

<<  <   >  >>