للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزوج فخذي موسى، فاقطعي ثلاث شعرات من لحيته مما يقارب الحلق، وألقى في روع الزوج أنّ هذه المرأة ستختانه بالقتل، فلما قرّبت الموسى منه لم يشك أن الأمر على ما قال الرجل من أنها قصدت قتله، فقام إليها وقتلها، وكان ذلك تفريقا بين المرء وزوجه.

فأنت ترى أنهم يرجعون السحر: إما إلى تمويه وخفة في اليد، وإما إلى مواطأة وإما إلى سعي ونميمة. ولا يرون الساحر يقدر على شيء مما يثبته له الآخرون من التأثير في الأجسام الأخرى، دون مماسّة. ومن قطع المسافات البعيدة في الزمن الوجيز. وقد قال أبو بكر الرازي: وحكمة كافية تبيّن لك أن هذا كله مخاريق وحيل لا حقيقة لما يدّعون لها. إنّ للساحر والمعزّم لو قدرا على ما يدّعيانه من النفع والضر من الوجوه التي يدّعون، وأمكنهما الطيران والعلم بالغيوب، وأخبار البلدان النائية، والخبيئات والسرقة والإضرار بالناس من غير الوجوه التي ذكرنا، لقدروا إلى إزالة الممالك، واستخراج الكنوز، والغلبة على البلدان بقتل الملوك، بحيث لا يبدؤوهم بمكروه. ولا ستغنوا عن الطلب لما في أيدي الناس.

فإذا لم يكن كذلك، وكان المدّعون لذلك أسوأ الناس حالا، وأظهرهم فقرا وإملاقا، علمت أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك. ورؤساء الحشو والجهّال من العامة من أسرع الناس إلى تصديق السحرة والمعزّمين، وأشدهم نكيرا على من جحدها، ويروون في ذلك أخبارا مفتعلة متخرّصة يعتقدون صحتها. كالحديث الذي يروونه أن امرأة أتت عائشة فقالت: إني ساحرة فهل لي من توبة؟ فقالت: وما سحرك؟ قالت: سرت إلى الموضع الذي فيه هاروت وماروت ببابل لطلب علم السحر. فقالا لي: يا أمة الله! لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا. فأبيت. فقالا لي:

اذهبي فبولي على ذلك الرماد، فذهبت لأبول عليه، ففكرت في نفسي فقلت: لا فعلت، وجئت إليهما وقلت: قد فعلت. فقالا: ما رأيت؟ قلت لم أر شيئا، فقالا: ما فعلت، اذهبي فبولي عليه، فذهبت وفعلت، فرأيت كأنّ فارسا قد خرج من فرجي مقنّعا بالحديد حتى صعد إلى السماء، فجئتهما فأخبرتهما فقالا: ذلك إيمانك قد خرج عنك، وقد أحسنت السحر. فقالت: وما هو؟ فقالا: لا تريدين شيئا فتصورينه في وهمك إلا كان، فصورت في نفسي حبا من حنطة، فإذا إنا بالحب، فقلت له: انزرع، فانزرع.

فخرج من ساعته سنبلا. فقلت له: انطحن وانخبز، إلى آخر الأمر، حتى صار خبزا، وإني كنت لا أصوّر في نفسي شيئا إلا كان، فقالت لها عائشة: ليست لك توبة.

ويروي القصّاص والمحدثون الجهال مثل هذا للعامة فتصدقه، وتستعيده، وتسأله أن يحدثها بحديث ساحرة ابن هبيرة. فيقول لها: إن ابن هبيرة أخذ ساحرة فأقرّت له بالسحر، فدعا الفقهاء، فسألهم عن حكمها. فقالوا: القتل، فقال ابن

<<  <   >  >>