للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي عدم سؤال النبي صلّى الله عليه وسلّم للرجل عن حج امرأته أفرض هو أم تطوّع دليل على أنه لا فرق بين أن يكون الحج فرضا أو تطوعا.

وقد ورد في السنة ما يؤخذ منه باقي شروط الاستطاعة، كاستمساك من يجد الراحلة عليها.

هذا وقد اختلف في حج الفقير البعيد عن البيت الذي لا يجد الزاد والراحلة. إذا أمكنه المشي، فقال الشافعية والحنفية: لا حج عليه، وإن حج أجزأه ذلك عن حجة الإسلام.

وحكي عن مالك أن عليه الحج إذا أمكنه المشي، وروي عن ابن الزبير والحسن أن الاستطاعة ما تبلّغه كائنا ما كان.

وأنت ترى أن الآية بظاهرها،

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الاستطاعة الزاد والراحلة»

يدلان على أنّ لا حج عليه، غير أنه متى وصل إلى هناك في أشهر الحج، فكأنه صار من أهل مكة، فيكون حكمه كحكمهم، فإذا فعله أغناه ذلك عن الفرض.

وقد حكى الجصاص «١» الخلاف بين الحنفية والشافعية في العبد إذا حجّ، هل يجزئه أم لا؟

قال الشافعية: يجزئه، واستدلّ الشافعيّ بقياس العبد على الفقير، فإذا قلتم: إن الفقير إذا حجّ فقد أجزأه ذلك، وهو لا يجب عليه، فكذا العبد وأيضا العبد لا تجب عليه الجمعة، وإذا فعلها أجزأته عن الظهر، فكذا إذا فعل الحجّ.

واستدل الحنفية بما

روى أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ثمّ لم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» «٢»

فعلم من ذلك أن شرط الحج ملك الزاد والراحلة، والعبد ليس أهلا للملك بحال، فلا يكون أهلا للخطاب بالحج بحال، فلم يجزئه حجّه، كما إذا حج الصبيّ، فإنه إذا بلغ مستكملا الشروط وجب عليه الحج.

وأجابوا عن القياس على الفقير بأن الفقير أهل لأن يملك، وقد يعرض الملك له في الطريق، فهو بهذه العرضية أهل في الجملة، فإذا وصل إلى مكة وهو لا يملك، فقد سقط هذا الشرط في حقه، لأنه صار من أهل مكة. وأما العبد فالمانع من خطابه رقّه، وهو إنما يفارقه بالعتق.

واستدلوا أيضا بما

روي عن جابر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أن صبيا حجّ عشر حجج، لكانت عليه حجة إن استطاع إليها سبيلا» .


(١) أحكام القرآن للإمام أبي بكر الجصاص (٢/ ٢٦) .
(٢) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>