للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ يوجب إعطاءهم أموالهم قبل البلوغ، فكان ذلك مشكلا، وللعلماء فيه محملان:

الأول: أن يجعل إيتاء الأموال مجازا عن تركها سالمة من غير أن يتعرّض لها بسوء، فالإيتاء مستعمل في لازم معناه، وتبقى كلمة الْيَتامى على حقيقتها، كما هو المتبادر منها شرعا وعرفا.

والمحمل الثاني: أن يكون الإيتاء مستعملا في حقيقته بمعنى الإعطاء بالفعل، وتكون كلمة الْيَتامى مجازا باعتبار ما كان، وأوثر التعبير عن الكبار باليتامى لقرب العهد بالصّغر، وللإشارة إلى وجوب المسارعة والمبادرة بدفع أموالهم إليهم، حتى كأنّ اسم اليتم باق غير زائل، وهذا المعنى يسمى في الأصول بإشارة النص.

ولكل من المحملين ما يؤيده:

فحجة الأول: قوله تعالى بعد آيات وَابْتَلُوا الْيَتامى إلخ فإنه كالدليل على الآية الأولى في الحث على حفظ أموال اليتامى، لتدفع إليهم عند بلوغهم ورشدهم، وأنّ الآية الثانية في الحث على الدفع الحقيقي عند حصول البلوغ والرشد، ولو كان الإيتاء في الآية الأولى باقيا على حقيقته لكان مؤدى الآيتين كالشيء الواحد.

وحجة المحمل الثاني: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ طلب المال فمنعه عمه، فخاصمه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. فنزلت وَآتُوا الْيَتامى إلخ فإن ذلك يدلّ على أن المراد بالإيتاء الإعطاء بالفعل، ولا سيما أنه قد روى الثعلبي «١» والواحدي عن مقاتل والكلبي «٢» أن العمّ لما سمعها قال: أطعنا الله ورسوله، نعوذ بالله من الحوب الكبير «٣» .

وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ تبدّل الشيء بالشيء، واستبدله، إذا أخذ الأوّل بدل الثاني، بعد أن كان حاصلا له، أو على شرف الحصول، ويتعدّيان أبدا إلى الزائل بالباء، وإلى بدله بأنفسهما كما هنا، ومنه قوله تعالى: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ [البقرة: ١٠٨] وقوله: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة: ٦١] .

وأما التبديل أو الإبدال فهو التغيير مطلقا، وقد يتعدّى إلى مفعول واحد، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [البقرة: ١٨١] وإلى مفعولين بنفسه فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان: ٧٠]


(١) أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أبو إسحاق المفسر توفي (٤٢٧) من أهل نيسابور له اشتغال بالتاريخ، انظر الأعلام للزركلي (١/ ٢١٢) .
(٢) محمد بن السائب بن بشر الكلبي توفي (١٤٦) نسابة، عالم بالتفسير، من أهل الكوفة، انظر الأعلام للزركلي (٦/ ١٣٣) .
(٣) معالم التنزيل للبغوي المعروف بتفسير البغوي (١/ ٣٩٦) .

<<  <   >  >>