للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهوات الفسقة المنهمكون في المعاصي. وقيل: هم اليهود والنصارى، وقيل: هم المجوس كانوا يحلّون الأخوات وبنات الإخوة والأخوات، فلما حرّمهنّ الله تعالى قالوا: إنكم تحلون بنت الخالة والعمة، مع أنّ الخالة والعمة عليكم حرام، فانكحوا أيضا بنات الأخ والأخت، فكانوا يريدون أن يضل المؤمنون فنزلت هذه الآية.

والميل العظيم هو الانحراف عن الحق إلى الباطل، ولا شكّ أنه عظيم بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندرة، واعترف بأنّها خطيئة، ولم يستحلّها.

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ في جميع التكاليف إحسانا منه إليكم، ونظيره قوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف: ١٥٧] وقوله:

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: ١٨٥] وقوله: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨]

وقوله عليه الصلاة والسلام: «جئتكم بالحنيفية السمحة» «١»

وذلك لأنه وإن حرّم علينا ما ذكر تحريمه من النساء، فقد أباح لنا غيرهن من سائر النساء، تارة بالنكاح، وتارة بملك اليمين، وكذلك جميع المحرمات، قد أباح لنا من جنسها أضعاف ما حظر، فجعل لنا مندوحة عن الحرام بما أباح من الحلال.

وهذه الآيات يحتجّ بها في المصير إلى التخفيف فيما اختلف فيه الفقهاء، وسوّغوا فيه الاجتهاد، ومن شمائله صلّى الله عليه وسلّم أنه ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما «٢» .

وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً يستميله هواه وشهوته، ويستشيطه خوفه وحزنه، فهو عاجز عن مخالفة الهوى، وتحمّل مشاق الطاعة، فلذلك خفّف الله عنه في التكاليف، ورخّص له في كثير من الأحكام.

وروي عن ابن عباس «٣» أنه قال: ثماني آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ

ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ.


(١) رواه أحمد في المسند (٥/ ٢٦٦) و (٦/ ١١٦) .
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٤/ ٢٠١) ، ٦١- كتاب المناقب، ٢٣- باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث رقم (٣٥٦٠) ، ومسلم في الصحيح (٤/ ١٨١٣) ، ٤٣- كتاب الفضائل، ٢٠- باب مباعدته صلّى الله عليه وسلّم للآثام حديث رقم (٧٧/ ٢٣٢٧) .
(٣) رواه البخاري في الصحيح كتاب المناقب، باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث رقم (٣٥٦٠) .

<<  <   >  >>