للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البدء والنهاية، وقد شاع استعمالها في القرآن بالمعنى العام، وهو كثير.

وجوّزوا أن تكون (من) زائدة (وآية) حالا، قال أبو حيان «١» : وهو فاسد، لأنّ الحال لا يجر بمن «٢» .

أو ننسها: ننس فعل مضارع من أنسى، وهو: إما من النسيان ضد الذكر والمعنى: أو ننسها أي نجعلك تنساها، وإما بمعنى الترك، فالمعنى: نأمر بتركها، يقال: أنسيته الشيء، أمرته بتركه، ونسيته تركته.

وقد أنكر بعضهم أن تحمل الآية على النسيان ضد الذكر، لأن هذا لم يكن للنبي صلّى الله عليه وسلّم. ولا نسي قرآنا، وكيف هذا وقد تكفل الله جلّت قدرته بأن يقرئه فلا ينسى؟

سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) [الأعلى: ٦] .

ومن حملها عليه قال: إنه ينساها بعد نسخ لفظها، وإبعادها من القرآن من طريق الوحي إن شاء الله ذلك.

وقد قال ابن عطية «٣» : والصحيح في هذا أن نسيان النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أراد الله أن ينساه جائز، وأما النسيان الذي هو آفة البشر فالنبي معصوم منه قبل التبليغ وبعده، حتى يحفظه بعض الصحابة، ومن هذا ما

روي أنه أسقط آية في الصلاة، فلما فرغ منها قال: «أفي القوم أبي» ؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: «فلم لم تذكّرني» قال:

خشيت أنها رفعت، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لم ترفع، ولكني نسيتها» «٤»

اه كلام ابن عطية.

قرأ ابن عامر «٥» : ما نَنْسَخْ بضم النون وكسر السين. والباقون بفتحها، وتفسير الآية على قراءة ابن عامر يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون نسخ وأنسخ بمعنى واحد.

الثاني: أن يكون أنسخ بمعنى جعله ذا نسخ، كما في قول الحجاج أقبروا الرجل، بهمزة القطع. أي اجعلوه ذا قبر، ومنه قوله تعالى: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) [عبس: ٢١] أي جعله ذا قبر.


(١) محمد بن يوسف بن علي، مفسّر نحوي، توفي سنة (٧٤٥ هـ) . من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث انظر الأعلام للزركلي (٧/ ١٥٢) .
(٢) انظر تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (١/ ٣٤٣) . [.....]
(٣) عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن الغرناطي مفسّر توفي سنة (٥٤٢ هـ) انظر قضاة الأندلس ص (١٠٩) . والأعلام للزركلي (٣/ ٢٨٢) .
(٤) رواه أحمد في المسند (٣/ ٤٠٧) .
(٥) عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبي أحد القراء السبعة، وإمام أهل الشام توفي (١١٨ هـ) انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٩٥) .

<<  <   >  >>