للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلّى الله عليه وسلّم فنزلت، والجمهور على أنها نزلت في غزوة المريسيع حين عرّس «١» النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فسقطت عن عائشة قلادة كانت لأسماء، فبعث رجلين في طلبها، فنزلوا ينتظرونهما، فأصبحوا وليس معهم ماء، فأغلظ أبو بكر على عائشة وقال: حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين على غير ماء فنزلت «٢» .

فلما صلوا بالتيمم جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب عائشة، فجعل يقول: ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر، وفي رواية: يرحمك الله يا عائشة، ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين فرجا، وهذا يدلّ على أن سبب النزول كان في فقد الماء في السفر.

والسكر المذكور في الآية هو السكر من الشراب، بدليل ما ورد في سبب النزول، وبدهي أن النهي موجه إلى جماعة المؤمنين أن يقربوا الصلاة، وهم على هذا الحال، فإنها قد تجرهم إلى ما يضرهم في دينهم من حيث لا يشعرون، ولقد أثّر فيهم النهي أثره، فكانوا يمتنعون من الشراب إلى ما بعد صلاة العشاء، ولا معنى لا دعاء نسخ الآية، إذ المؤمنون ما زالوا منهيين أن يقربوا الصلاة وهم سكارى. ولم تؤثر آية المائدة في هذا النهي شيئا حتى يقال: إنها نسخته.

وقد اختلف العلماء في معنى الصلاة في قوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فذهب جماعة إلى أن المراد منها موضعها وهو المسجد، وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والحسن، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه، والكلام إذا على حذف مضاف، وهو مجاز شائع، وقد عهد استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى في القرآن، كما في قوله تعالى: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ [الحج: ٤٠] فقد فسرها ابن عباس بأنها كنائس اليهود.

ويؤيد حمل الصلاة على هذا المعنى أن الله تعالى يقول: لا تَقْرَبُوا والقرب والبعد أولى به أن يكون في المحسات، فحملناه على المسجد، ولأنّا لو حملناه على الصلاة لم يصح الاستثناء في قوله: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حتى لو حملنا عابر السبيل على المسافر، لأنّ هذا الحكم حينئذ ليس خاصا بالمسافر، لأنّ كل من عجز عن استعمال الماء، سواء لفقده، أو عدم القدرة على استعماله كذلك، وأيضا فإنّ ظاهر النهي يدلّ على أنّ عابر السبيل ليس له أن يقرب الصلاة جنبا إلا بعد اغتسال، وهو إذا لم يجد الماء يقرب الصلاة كغيره بالتيمم.

وأيضا فقد ذكر الله في الآية حكم المسافر في قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ


(١) التعريس: النزول آخر الليل، انظر لسان العرب (٦/ ١٣٦) .
(٢) رواه ابن جرير في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥/ ٦٨- ٦٩) . [.....]

<<  <   >  >>