للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الحنفية: العاقلة هم أهل ديوانه.

وحجة الحجازيين أنه تعاقل الناس في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي زمن أبي بكر، ولم يكن هناك ديوان، وإنما كان الديوان في زمن عمر بن الخطاب، فإن قيل: كيف يجني الجاني وتؤخذ عاقلته بجريرته فيحملون الدية، والله يقول: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤]

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه»

وقال لأبي رمثة وابنه: «إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» «١» .

قلنا: إنّ هذا ليس من باب تحميل الرجل وزر غيره، لأنّ الدية على القاتل ابتداء.

وتحميل العاقلة إياها من باب المعاونة، وكما تعاونه العاقلة فتدي عنه، يعاونها هو فيدي عنها، وكما تتعاون القبيلة في النّصرة، فتدفع بنفسها العدوّ المغير، تتعاون بمالها، فيدي بعضها عن بعض، وقد كان تحمّل العاقلة الدية معروفا عند العرب، وكانوا يعدّونه من مكارم الأخلاق، والنبي صلّى الله عليه وسلّم بعث ليتمّم مكارم الأخلاق، والمعاونة والتناصر وتحمّل المغارم مما يقوّي الألفة، ويزيد في المحبة، وقد ورد من الأحاديث ما يدلّ على أنّ العاقلة تحمل الدية.

وروى المغيرة أنّ امرأة ضربت بطن امرأة أخرى فألقت جنينا ميتا فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عاقلة الضاربة بالغرّة، فقام حمل بن مالك فقال: كيف ندي من لا شرب ولا أكل، ولا صاح ولا استهل، ومثل ذلك بطل.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هذا من سجع الجاهلية» «٢» .

وقد ورد أنّ عمر رضي الله عنه قضى على عليّ بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب حين جنى مولاها، وعليّ كان ابن أخي صفية، وقضى للزبير بميراثها «٣» .

وقد ذهب أبو بكر الأصم وجمهور الخوارج إلى أن الدية على القاتل لا على العاقلة، اعتمادا على ما ذكرناه من العمومات، وعلى أنّ قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ يقتضي أنّ من يجب عليه هو القاتل، والذي يناسب أن يكون كذلك في الدية، وقد علمت أنّ الآثار مجمعة على أنّ الدية على العاقلة.


(١) رواه أبو داود في السنن (٤/ ١٦٥) ، كتاب الديات، باب النفس حديث رقم (٤٤٩٥) ، والنسائي في السنن (٧- ٨/ ٤٢٣) ، كتاب القسامة باب هل يؤخذ أحد بجريرة أحد حديث رقم (٤٨٤٧) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٥/ ٢٥٥) ، كتاب التفسير حديث رقم (٣٠٨٧) .
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٣١١) ، ٢٨- كتاب القسامة، ١١- باب دية الجنين حديث رقم (٣٧/ ١٦٨٢) واللفظ عنده «أسجع كسجع الأعراب» .
(٣) انظر تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للرافعي، كتاب الديات، (٤/ ١٠٣) .

<<  <   >  >>