والآمّون: جمع آم بمعنى قاصد من أم يؤم بمعنى قصد، والرضوان مصدر بمعنى الرضا، والشنآن مصدر بمعنى البغض يقال شنئته بالكسر أشنؤه بفتح النون شنئا بسكونها وشنآنا بفتح النون وسكونها أي أبغضته.
ينادي الله المؤمنين وينهاهم بقوله: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ أي أحكام دينه على الوجه العام أو أعمال الحج ومناسكه كالإحرام والطواف والوقوف بعرفة وبقية أعمال الحج، ومعنى إحلالها الإخلال بأحكامها كاستعمال الطيب ولبس المخيط والصيد والقرب من النساء فإن ذلك يخل بواجبات الإحرام وكطواف الزيارة محدثا أو جنبا فإن ذلك يخل بواجب الطهارة في الطواف والوقوف بعرفة حدثا أو جنبا أو بعد قربان النساء فإن ذلك يخل بواجب الطهارة وحرمة قربان النساء بالنسبة للوقوف ثم قال: ولا الشهر الحرام أي لا تحلوه بالقتال فيه وعدم المبالاة بحرمته وقد نسخ هذا الحكم.
بقوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] فإنه ليس المراد بالأشهر الحرم أشهر الحج وإنما المراد بها الأشهر التي حرم الله قتالهم فيها وضربها أجلا لهم يسيحون فيها في الأرض ويفكرون في أمر الإسلام مع التروي والنظر فإن اعتنقوا الإسلام في أثنائها فقد نجوا وإلا عاملهم بما عامل به غيرهم من القتل والأسر ويدل على أن هذا الحكم منسوخ الإجماع على جواز قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم ثم قال:
ولا الهدى أي لا تحلوا النعم التي يتقرب بها إلى الله تعالى لتذبح في الحرم وإحلالها هو التعرض لها وسلبها أو الانتفاع بها في غير ما سيقت له من التقرب إليه تعالى وأخذوا من ذلك عدم جواز الأكل من الهدايا التي تقدم للذبح في الحرم إلا أنهم استثنوا من ذلك هدى التطوع والقرآن والتمتع وحسا من المرقة فيبقى غيرها على عدم الجواز لأنها دماء مخالفات وكفارات وعقوبات فلا يجوز الانتفاع بشيء منها وقال:
وَلَا الْقَلائِدَ. أي لا تحلوا القلائد أي الهدايا ذوات القلائد والهدايا التي تقلد هي ما كانت للتطوع أو النذر أو القرآن أو التمتع أما الهدايا التي تجب بسبب الجنايات فلا تقلد. القلائد أعلام تقام للمسرات وذلك ظاهر إذا كانت للتطوع أمثاله أما إذا كانت بسبب الجنايات كانت عقوبات للمخالفات فلا وجه لإعلانها والتنويه بها.
وتفسير القلائد بالهدايا ذوات القلائد يدل على أنها نوع من الهدى السابق فكأنه قال لا تحلوا الهدى وخصوصا الهدايا ذوات القلائد ويحتمل أن يراد بالقلائد نفسها ويكون المراد النهى عن سلبها وتجريد الهدايا عنها فإن ذلك مما يعرض الهدايا للضياع.
وقوله: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ أي لا تحلوا قوما قاصدين إلى البيت الحرام لزيارته بأن تصدوهم عنه بأي وجه كان بأن تقاتلوهم أو تسلبوا أموالهم أو تزعجوهم وتخوفوهم.