للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شكّ أنّ صيود البحر فيها متعة ومنفعة في السفر والحضر، سواء بالأكل أو بالادخار، أو بما يخرج منه مما ينتفع به.

ويرى بعضهم أنّ التمتع به على التوزيع، فالطريّ منه للمقيمين، والقديد للمسافرين. وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ هو ما يكون توالده ومثواه في البر مما هو متوحش بأصل خلقته، والتحريم هنا إما منصبّ على ذات المصيد، أو على الفعل، فإن كان الثاني فالآية إنما تدل على حرمة الاصطياد فقط، وأما الأكل منه بأن ما يصيده حلال فلا تدل الآية على منعه، فمن يرى منعه فليلتمس له دليلا من غير الآية. وأما إذا كان التحريم منصبا على ذات المصيد فهو يقتضي تحريم جميع وجوه الانتفاع بالصيد، إلا ما يخرجه الدليل على ما تقرّر في الأصول، فيشمل تحريم الصيد والأكل وغيرهما، وقد عرفت أن قتل الصيد يخرج منه أشياء كالكلب العقور والذئب والسبع الضاري، لأنها من الخمس الفواسق:

أما الذئب فلأنه عدّ نصا في بعض الروايات من الخمس الفواسق، وفي بعضها قيل: إنّه المراد من الكلب العقور، وأما السبع الضاري فلضراوته، والشافعي يخرج هذه الثلاثة، لأنها ليست بصيد، لأنّ الصيد عنده ما يؤكل على ما تقدّم.

ما دُمْتُمْ حُرُماً أي محرمين، وظاهر الآية تحريم كلّ الصيد على المحرم، سواء أصاده هو أم محرم آخر أم حلال، سواء كان للمحرم دخل في صيده، أم لم يكن له دخل.

والمسألة خلافية عند السلف، فمذهب ابن عباس وابن عمر وجماعة أنّ الصيد مطلقا حرام على المحرم عملا بظاهر الآية، وأيضا

فقد أخرج مسلم «١» عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمارا وحشيا، أو بعضه، أو بعض لحمه، أو عضوا من لحم صيد على اختلاف في الروايات، وهو عليه الصلاة والسلام بالأبواء أو بودان، فردّه صلّى الله عليه وسلّم، قال: فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما في وجهي قال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم» .

ويرى أبو هريرة وعطاء ومجاهد وابن جبير وعمر وطلحة وعائشة أنه يحل له أكل ما صاده الحلال، وإن صاده لأجله ما دام لم يدل عليه، ولم يشر إليه، ولم يأمره بصيده «٢» ، وهو رواية الطحاوي عن أبي حنيفة، ووجهه أنّ الخطاب للمحرمين، فكأنه قيل: وحرم عليكم ما صدتم، والمراد ما يصيدونه حقيقة أو حكما بأن يدلّوا عليه، أو يشيروا إليه، أو يأمروا به.


(١) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٨٥٠) ، ١٥- كتاب الحج، ٨- باب تحريم الصيد حديث رقم (١١٩٣) .
(٢) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>