للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشاهدان بعد صلاة العصر على أنهما صادقان فيما شهدا به. فإن اطّلع على خيانة من هذين الشاهدين، فليقم اثنان من ورثة الميت الموصي، ويقسمان بالله على كذبهما، وهذا الحكم أقرب إلى أن يؤتى بالشهادة على وجهها، خوفا من الله، أو خوفا من العار.

سبب نزول هاتين الآيتين أنّ تميم بن أوس الداري وعدي بن زيد خرجا إلى الشام للتجارة، وكانا حينئذ نصرانيين، ومعهما بديل بن أبي مريم مولى عمرو بن العاص، وكان مسلما مهاجرا، فلما قدموا الشام مرض بديل، فكتب كتابا فيه جميع ما معه، وطرحه في متاعه، ولم يخبرهما بذلك، وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله، ومات، ففتشاه، فوجدا فيه إناء من فضة منقوشا بالذهب، فأخفياه، ودفعا المتاع إلى أهله، فأصابوا فيه الكتاب، فطلبوا منهما الإناء، فقالا: ما ندري، إنما أوصى إلينا بشيء، وأمرنا أن ندفعه إليكم، ففعلنا، وما لنا بالإناء من علم، فرفعوهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية، واستحلفهما بعد صلاة العصر عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يأخذا شيئا مما دفع إليهما، ولا كتما، فحلفا على ذلك، فخلّى عليه الصلاة والسلام سبيلهما، ثم إنّ الإناء وجد بمكة، فقال من بيده الإناء: اشتريته من تميم وعدي، وقيل لما طالت المدة أظهراه، فبلغ ذلك بني سهم فطلبوه منهما، فقالا: كما اشتريناه من بديل. فقالوا: ألم نقل لكما هل باع صاحبنا من متاعه شيئا؟ فقلتما: لا. قالا: ما كان لنا بينة فكرهنا أن نقرّ به، فرفعوهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزل قوله عزّ وجلّ: فَإِنْ عُثِرَ

الآية، فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر أنهما كذبا وخانا فدفع الإناء إليهما «١» ، وفي الآية سؤالات:

أ- يؤخذ من ظاهر الآية أنّ غير المسلم تجوز شهادته على المسلم.

اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ والآيات الأخرى تدلّ بعمومها على عدم صحة شهادة غير المسلمين. وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: ٢] مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [البقرة: ٢٨٢] وغير المسلمين ليسوا بعدول. ولمكان هذا السؤال اختلف العلماء في الجواب عنه، فذهب بعضهم إلى أنّ المراد ذوا عدل منكم، أو آخران من غيركم من غير قبيلتكم، ويبين فساد هذا الجواب أنّ الله خاطب المؤمنين عامّة في أول الآية. فإذا قال: مِنْكُمْ أو مِنْ غَيْرِكُمْ كان الظاهر من المؤمنين أو من غير المؤمنين.

وذهب آخرون إلى أنّ هذه الآية قد نسخت وبطل حكمها، ويبعد هذا الجواب


(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥/ ٢٤٠) ، كتاب التفسير باب ومن سورة المائدة حديث رقم (٣٠٥٩) .

<<  <   >  >>