للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزنى عليها، وحينئذ يكون لعانها مسقطا للحد عنها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي والحجازيون، وخلائق من العلماء.

وقال أبو حنيفة رحمه الله: آيات اللعان نسخت الحد عن قاذف زوجته فليس عليه حد في قذف زوجته فكيف يسقط لعانه حدا لم يثبت عليه وكذلك لا يوجب لعانه حدّ الزنى على الزوجة، لأن حد الزنى لا يثبت إلا بأربعة شهود أو بالإقرار أربع مرات، وليس لعان الرجل في قوة الشهود الأربعة، وليس نكولها بصريح في الإقرار.

وعلى هذا الخلاف ينبني خلافهم في حكم الممتنع من اللعان من الزوجين فمالك والشافعي ومن وافقهما يقولون: الزوج الممتنع من اللعان يدخل في حكم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الآية، فإذا كانت زوجته ممن يحدّ قاذفها حدّ، وإلا عزر، لأنّ اللعان جعل رخصة له، فلما أبى أن يلاعن فقد أضاع على نفسه هذه الرخصة، فكان حكمه وحكم غير الزوج سواء. والزوجة الممتنعة عن اللعان بعد لعان زوجها يقام عليها حدّ الزنى، وهو مختلف بإحصانها ورقها وحريتها.

والحنفية يقولون: إذا امتنع الزوج من اللعان حبس حتى يلاعن، لأن اللعان حق توجه عليه، وحكمه حكم سائر الحقوق التي لا يمكن استيفاؤها إلا بالقهر والتعزير، فللحاكم حبسه وتهديده حتى يلاعن أو يكذّب نفسه في القذف، فيقام عليه حده.

ووافق الحنفية الإمام أحمد في حكم الزوجة الممتنعة في إحدى الروايتين عنه، وفي رواية أخرى عنه لا تحبس، ويخلى سبيلها كما لو لم تكمل البينة، وهذا قول غريب جدا، إذ كيف يخلّى سبيلها ويدرأ عنها العذاب بغير لعان، وهل هذا إلا مخالفة لظاهر القرآن.

فأولى الأقوال بالصواب هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ودل عليه ظاهر القرآن من أنّ لعان الزوج يسقط عنه حد القذف، ويوجب على الزوجة حدّ الزنى. وأنّ لعانها يدرأ عنها حد الزنى، ولم تتعرض آيات اللعان لأكثر من هذه النتائج.

وأما نفي الولد، والفرقة بين المتلاعنين، والتحريم المؤبد بينهما، فإنّما مأخذها من السنة لا من القرآن الكريم. فنفي الولد مصرّح به في حادثة هلال بن أمية وغيرها، والروايات الدالة على أنه من نتائج اللعان كثيرة تكاد تبلغ حد الشهرة أو التواتر، وقد صرح العلماء بأنّ المقصود الأصلي من اللعان إنما هو نفي الولد.

وكذلك الفرقة بين المتلاعنين ثبتت بالسنة الصحيحة، وللعلماء في موجبها خلاف. فقال الشافعي: إنها تقع بمجرد لعان الزوج وحده، وإن لم تلاعن المرأة، وحجته في ذلك أنّها فرقة حاصلة بالقول، فيستقل بها قول الزوج وحده كالطلاق، ولا تأثير للعان الزوجة إلا في دفع العذاب عن نفسها، كما قال تعالى: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ

<<  <   >  >>