تزويج العبيد والإماء يفوّت على سادتهم منافع كثيرة، لا يشجعهم على التغاضي عنها، والتهاون فيها إلا استقامة أولئك العبيد والإماء وصلاحهم، أو ظن قيامهم بموجب النكاح وحقوقه.
في الآية أمر بتزويج الأيامى من الأحرار والمملوكين، وقد اختلف العلماء في المأمورين بهذا الأمر، فقيل: إنّ هذا أمر موجّه إلى الأمة جميعها. وقيل: إنّ المأمورين هم أولياء الأحرار وسادات العبيد والإماء. ولكنك قد عرفت أنّ اسم الأيامى واقع على الذكور والإناث، فلا وجه لتخصيص الأولياء بالأمر، إذ إن الأيم الكبير من الأحرار لا ولاية لأحد عليه.
فالوجه القول الأول: وهو أنّ المأمور الأولياء والسادات، وغيرهم من سائر الأمة، فالأمر متوجه إليهم جميعا أن ينكحوا من لا زوج له.
والإنكاح معناه الحقيقي التزويج، وهو إجراء عقد الزواج. ولو أريد بالإنكاح في الآية هذا المعنى لكان الناس مكلّفين أن يزوّجوا الأيامى، وفيهم الرجال الكبار، مع أنّه لا ولاية لأحد عليهم. فكان لا بد من التأويل. إما في كلمة وَأَنْكِحُوا باستعمالها في معنى أعم من إجراء العقد وهو المساعدة في النكاح والمعاونة عليه، وإما في الْأَيامى بحملها على غير الرجال الكبار، ولعلّ التأويل الأول أرجح، فإنّ الآية مسوقة للترغيب في النكاح، والذي يناسبه إبقاء الأيامى على عمومها.
وظاهر الأمر بالإنكاح أنّه للوجوب، وبه قال أهل الظاهر، وقال السلف وفقهاء الأمصار إنّه للندب، وصرفه عن ظاهره أمور:
- منها: أنه لو كان تزويج من ذكر في الآية واجبا لشاع العمل به في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعصر الخلفاء الراشدين من بعده، ولنقل إلينا مستفيضا لعموم الحاجة إليه، مع أنّه قد كان في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم والعصور بعده أيامى كثيرون من رجال ونساء، ولم ينكر على واحد ترك تزويجهم.
- ومنها: أنّ الأيم الثيب لو أبت الزواج فلا يجبرها أحد، فلو كان تزويجها واجبا لأجبرها عليه من ثبت عليه الوجوب.
- ومنها: الاتفاق على أن السيد لا يجبر على تزويج عبده وأمته، فلا يكون تزويجهما واجبا عليه، والظاهر أن الحكم في المعطوف عليه، وهو الأيامى من الأحرار كذلك، إذ صيغة الطلب واحدة.
واستدل الشافعية بظاهر قوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ على أنّه يجوز للولي أن يزوّج البكر البالغة دون رضاها، لأنّهم تأوّلوا الآية على أنّ الخطاب فيها للأولياء، فقد جعلت للولي حقّ تزويج موليته مطلقا، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، وسواء أرضيت