فرق بين أن يطلب الكتابة، وأن يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة، فكما لا يجب هذا البيع، كذلك لا تجب الكتابة، وهذه طريقة المعاوضات أجمع، مرجعها إلى رضا الطرفين واختيارهما. وما روي عن عمر في قصة سيرين لا يدلّ على الوجوب، لأنّها لو كانت واجبة لحكم بها عمر على أنس، ولم يكن يحتاج أن يحلف عليه ليكاتبنّه، ولم يكن أنس أيضا يمتنع من شيء واجب عليه. وأما تهديد عمر إيّاه فإنما كان من كمال شفقته على رعيته، وحبه الخير لهم، فكثيرا ما كان يأمر الناس بما لهم فيه الحظ في الدين، وإن لم يكن واجبا على وجه التأديب والمصلحة.
وذهب بعض العلماء إلى أنّ قوله تعالى: فَكاتِبُوهُمْ أمر ورد بعد الحظر، فهو للإباحة، لأنّ الكتابة من السيد بيع ماله بماله، وهذا محظور، فلما ورد الشرع بطلبه كان مباحا. وحينئذ يكون ندب الكتابة واستحبابها من دليل آخر، مثل قوله تعالى:
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)[البلد: ١٢، ١٣] وقوله تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ إلى قوله: وَفِي الرِّقابِ [البقرة: ١٧٧] إلى غير ذلك من العمومات التي تندب إلى عمل البر وفعل الخير.
وظاهر الإطلاق في قوله تعالى: فَكاتِبُوهُمْ جواز الكتابة، سواء أكان البدل حالّا أم مؤجلا بنجم واحد أو أكثر، وإلى ذلك ذهب الحنفية.
ومنع الشافعية الكتابة على بدل حالّ، قالوا: إنّ الكتابة تشعر بالتنجيم، فتغني عن التقييد. وأيضا لو عقدت الكتابة حالّة توجهت المطالبة على المكاتب في الحال، وليس له مال يؤدي منه، فيعجز عن الأداء، فيرد إلى الرق، ولا يحصل مقصود الكتابة.
ونظيره من أسلم فيما لا يوجد عند حلول الأجل فإنّه لا يجوز. وكذلك منع الشافعية الكتابة على أهل من نجمين، وسندهم في ذلك أنها عقد إرفاق، ومن تمام الإرفاق التنجيم، ومع أنّ هذا الرأي مروي عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر تراه خلاف ظاهر الآية، ومستند الشافعية فيه ليس بالقوي.
وقوله تعالى: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً شرط، ومشروطه الأمر بالكتابة، فإن لم يعلموا فيهم خيرا لم تجب، أو لم تندب مكاتبتهم، على الخلاف في مقتضى الأمر كما تقدم.
بل ربما تكون الكتابة حين انتفاء الشرط محرمة، كما إذا علمنا أنّ المكاتب يكتسب بطريق الفسق، أو يضيّع كسبه في الفسق، ولو استولى عليه السيد لا متنع من ذلك، ونظيره الصدقة والقرض إذا علم أنّ من أخذهما يصرفهما في محرم فإنهما يحرمان.
وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ قد اختلف أهل التأويل في المأمور بإعطاء المكاتب من هو؟ وفي المال أي الأموال هو؟ فقال أكثر العلماء: المأمور بالإعطاء هو مولى العبد المكاتب، والمال الذي أمر بإعطائه منه هو مال الكتابة.