أما التبنّي المنهي عنه، فهو دعوى الولد مع القطع بأنّه ليس ابنه، وأين هذا من ذاك؟
وظاهر الآية أيضا أنّه يباح أن يقال في دعاء من لم يعرف أبوه: يا أخي، أو يا مولاي، إذا قصد الأخوة في الدين، والولاية فيه، لكنّ بعض العلماء خصّ ذلك بما إذا لم يكن المدعو فاسقا، وكان دعاؤه بيا أخي أو يا مولاي تعظيما له، فإنه يكون حراما، لأننا نهينا عن تعظيم الفاسق، فمثل هذا يدعى باسمه، أو بيا عبد الله، أو يا هذا. مثلا.
قال الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦) لعلّك ترى زيدا قد تصيبه وحشة من أنّه صار لا يدعى بعد الآن زيد بن محمد، خصوصا بعد أن كان من أمر أبيه وعمه في النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه قد يرى في تخلّي النبي عن أبوته حطّا من قدره بين الناس، وقد كان هو يعتز بهذه الدعوة، لأنها تكسبه جاها عريضا ينفعه في الدنيا والآخرة، فأنزل الله تعالى هذه الآية تسلية لزيد، ولبيان أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم إن تخلى عن أبوة زيد فإلى الولاية العامة، والرأفة الشاملة التي تعم المسلمين جميعا لا تفريق بين ابن الصلب وغيره، فهو يرعاهم حق الرعاية، ويهديهم طريقا إن اتبعوه لن يضلوا بعده أبدا. وما كانت أبوته لزيد أو لأحد غيره بزائدة في ذلك شيئا، ولن ينقص زيد بتخلّي النبي عن أبوته شيئا فالرسول أولى وأحق بكل المؤمنين من أنفسهم، فهو الآمر الناهي بما يحقّق للناس سعادتهم في الدنيا والآخرة، والحفيظ على مصالحهم، لا يضيّع شيئا، وقد تأمر النفس بالسوء؟ أما الرسول فهو الذي يوحى إليه، لا ينطق عن هوى، ولا يهدي إلا إلى الخير.
ولم يذكر في الآية ما تكون فيه الأولوية، بل أطلقت إطلاقا ليفيد ذلك أولويته في جميع الأمور، ثم إنّه ما دام أولى من النفس، فهو ولى من جميع الناس بطريق الأولى.
وقد روى البخاري «١» وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فأيّما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني، فأنا مولاه»
. وقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ أي منزلات منزلة الأمهات في تحريم نكاحهن،
(١) رواه البخاري في الصحيح (٣/ ١١٦) ، ٤٣- كتاب الاستقراض، ١١- باب الصلاة على من ترك دينا حديث رقم (٢٣٩٩) .