للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السابق، متمّم له في ذكر آداب البيوت، واقع على ما وقع عليه من سبب، فهو في غير حاجة إلى ربط جديد، ولا إلى سبب خاصّ يقع عليه، وأنه ليكفي أن يوجد شأن من الشؤون يتصل بالبيوت، لنذكر كل الأحكام التي تكفل حياطة البيوت من الأذى.

ويرى بعض المفسرين تنزيل هذه الآية على سبب خاص روي هنا من طريق صحيح، ويعدون الآية إحدى موافقات القرآن لعمر رضي الله عنه، وذلك على نحو ما قدمنا مما

روى البخاري «١» وغيره عن أنس رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر، ولو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب.

وليس هناك ما يمنع أن يكون ذلك أحد الأسباب التي نزلت من أجلها الآيات في شأن بيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويكون قد جاء في بعضها أو كلها ما يوافق رأي عمر، وحرصه على كرامة نساء الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فتكون الأسباب قد تجمّعت فنزلت الآيات متصلا بعضها ببعض في صيانة بيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم وحرمة أزواجه.

والمتاع ما يستمتع به حسيا كالماعون، أو معنويا كتعرّف الأحكام، والحجاب:

الساتر، وتكليف الرجال سؤال النساء المتاع من وراء حجاب مؤذن بتكليف من في البيوت ضرب الحجاب، لأنّه من غير المعقول أن يكون ضرب الحجاب على غير أصحاب البيوت.

ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الإشارة راجعة إلى السؤال من وراء حجاب، أو إلى كلّ ما تقدم من الأحكام، ومعنى كونه أطهر أنّه أكثر تنزيها لقلوب الرجال والنساء من الهواجس التي تتولّد فيها عند اختلاط الرجال بالنساء، فإنّ الرؤية بريد الفتنة.

هكذا كفل القرآن بيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذه الأحكام، وأبعد عنها الريبة. واجتث أصول المخاوف والفتنة، فالآيات كما ترى خاصّة بآداب الاتصال ببيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة بلفظها، وبتوجيه الخطاب فيها، وبأسباب نزولها، وبما ذكر فيها من علة.

وأما بيوت المؤمنين فقد تكفلت بآدابها سورة النور كما قلنا لك وآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ الآية في سورة الأحزاب وستعرف فيها آراء العلماء في الحجاب.

وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً.

والمعنى: أنّه لا يكون من شأن المؤمنين أن تقع منهم أذية للرسول صلّى الله عليه وسلّم أيا كان نوعها، سواء أكانت من النوع الذي ذكر في الآية مما يتصل بالبيوت، أم من غيرها، وهذا التعميم يرشد إليه إطلاق الفعل. تُؤْذُوا عن التقييد بكونه في البيوت،


(١) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>