التي تلحق الناس في الحروب، أو وضع الحرب سلاحها، فلا يكون قتال بعد.
ثم قال الله تعالى:(ذلك) وقد كثر في لغة العرب استعمال اسم الإشارة عند الفصل بين كلامين، والانتهاء من الأول وإرادة الانتقال إلى الثاني.
كأنه قيل: ذلك هو ما نريد أن نقوله في هذا الشأن، ونقول بعده كذا وكذا. أو احفظ ذلك والأمر بعده كذا وكذا، فاسم الإشارة للفصل بين كلامين، والكلام في الإعراب بعد ذلك سهل يسير.
والكلام الذي بعده يقصد منه بيان الحكمة في شرع القتال مع قدرة الله أن ينتصر على أعدائه من غير أن تكون حرب بينهم وبين أوليائه، وتلك الحكمة هي امتحان الناس، واختبار صبرهم على المكاره، واحتمالهم للشدائد أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)[آل عمران: ١٤٢] .
ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك أنّ الذين يكون من حظّهم أن يقتلوا في سبيل الله ستحفظ أعمالهم، وتخلّد لهم، ثم هم بعد ذلك في روضات الجنات يحبرون.
والآية الكريمة بعد هذا متفقة مع آية الأنفال ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال: ٦٧] غير أنّ آية الأنفال لم يذكر فيها ما يكون بعد الإثخان، والآية التي معنا بيّن فيها أنّ المؤمنين عليهم بعد غلبة الأعداء وقهرهم أن يشدوا الوثاق، ثم لهم بعد ذلك أن يمنّوا على من أوثقوهم من غير فداء، ولهم أن يفادوهم، وقد تسأل بعد هذا وأين استرقاقهم؟ فنقول: إن الاسترقاق قد فهم من الأمر بشدّ الوثاق. وبعد هناك حالان أذن لنا فيهما الشارع الكريم: هما المن والفداء.
وإنا نذكر لك هنا آراء العلماء في المن على الأسرى وأخذ فدائهم ثم نعقب عليه بما يفتح الله به:
قد اختلف العلماء فيما دلّت عليه الآية الكريمة في مواضع: منها المراد بالذين كفروا، فذهب بعضهم إلى أنهم المشركون، وهو مروي عن ابن عباس، وذهب بعضهم إلى أن المراد كلّ من ليس بيننا وبينهم عهد ولا ذمة، ويظهر أنّ هذا هو الصحيح، إذ الآية عامة، والتخصيص لا دليل عليه.
وقد اختلف أيضا في المراد من ضرب الرقاب، فذهب السدي إلى أنّ المراد منه القتال، وذهب جماعة على أن المراد منه قتل الأسير صبرا، والظاهر الأول، فإنّه الذي ينساق إليه الذهن من قول الله: فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ إذ جعل الإثخان وهو الإضعاف- غاية لضرب الرقاب، فأين قتل الأسير صبرا، وهو إنما يقع في الأسر بعد إثخانه وضعفه.
وكذلك اختلف العلماء في المراد من الفداء، فقال بعضهم: المراد من المفاداة