للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال العلماء: لفظ النساء المضاف إلى الرجال حقيقة في الزوجات دون الإماء، لأنّ المتبادر من كلمة نساء الرجل إنما هو زوجاته دون إمائه، فلا يقال فيهن نساؤه، إنما يقال جواريه وإماؤه وسراريه. والتبادر من أمارات الحقيقة، وحينئذ يكون ظاهر قوله تعالى: مِنْ نِسائِهِمْ أنّ الظهار إنما يكون في الزوجات، فلو قال لأمته:

الموطوءة، أو غير الموطوءة: أنت عليّ كظهر أمي، لم يعتبر ذلك ظهارا، ولم تترتب عليه أحكام الظهار، وهو منقول عن كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وإليه ذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

وقد نقل عن مالك والثوري صحة الظهار في الأمة مطلقا.

وعن سعيد بن جبير وعكرمة وطاوس والزهري صحته في الأمة الموطوءة، ذهبوا إلى التعميم في قوله تعالى: مِنْ نِسائِهِمْ كما عمّ قوله تعالى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ [النساء: ٢٣] الزوجات والإماء، فحرّم بنت الأمة كما حرّم بنت الزوجة.

واقتضى قوله تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ أنه ليس للنساء ظهار، فلو ظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شيء، وهو متفق عليه بين الأئمة الأربعة، وقال أبو بكر بن العربي: وهو صحيح معنى، لأنّ الحل والعقد والتحليل والتحريم في النكاح بيد الرجال، ليس بيد المرأة منه شيء.

ونقل أبو حيان عن الحسن بن زياد أنّها تكون مظاهرة، ويلزمها التكفير قبل التماس.

وعن الأوزاعي وعطاء وإسحاق أنّ عليها كفارة يمين، وعن الزهري: أنها تكفّر كفارة الظهار، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها.

وكذلك اقتضى عموم الموصول في قوله تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ صحة ظهار العبد من زوجته، لأنّ أحكام النكاح في حقه ثابتة. وإن تعذّر عليه العتق والإطعام، فإنه قادر على الصيام. وحكى الثعلبي عن مالك أنّه لا يصح ظهار العبد.

ولكنّ الذي عليه المعوّل عند المالكية هو صحة ظهاره.

ويؤخذ من قوله تعالى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً أنّ الظهار حرام، بل اعتمد فقهاء الشافعية القول بأنه كبيرة، لأنّ فيه الإقدام على إحالة حكم الله تعالى وتبديله دون إذنه سبحانه. ولأنّ من أقدم على الظهار بعد أن أخبر الله بأنه منكر من القول وزور يعتبر كاذبا معاندا للشرع، فمن ثمّ كان كبيرة.

قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا

<<  <   >  >>