للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استطاع إلى ذلك سبيلا، وهؤلاء قد نهانا الله عن برّهم، وتوليهم، وموادتهم، بل أمرنا أن نقعد لهم كل مرصد، وأن نعدّ لقتالهم ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل.

والفريق الثاني: قوم كافرون، ولكنهم لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا، ولم يظاهروا، إما لعهد بيننا وبينهم، وإما لأنهم قوم ضعاف لا يستطيعون حربا، ولا قتالا، ولا إخراجا، ولا مظاهرة على إخراج، وهؤلاء قد بيّن الله أنه لا ينهانا عن برّهم والإقساط إليهم.

وهناك فريق لا يعلم المؤمنون حالهم على الجزم، وهم يظهرون الإيمان، فهؤلاء بيّن الله حكمهم في الآيات التي معنا، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إلخ نزلت هذه الآية بعد صلح الحديبية،

وقد روي أنّه صلّى الله عليه وسلّم أمر عليا رضي الله عنه أن يكتب عقد الصلح، فكتب: باسمك اللهم. هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكفّ بعضهم عن بعض، على أنّ من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه ردّه عليه، ومن جاء قريشا من محمّد لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنّه لا إسلال ولا إغلال، وأنه من أحبّ أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

وقد نفّذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العهد، فجاءه أبو جندل بن سهيل فرده، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في مدة العهد، وإن كان مسلما.

ثم جاءت المؤمنات مهاجرات، وكانت أمّ «١» كلثوم بنت عقبة بن معيط إحدى المؤمنات الجائيات، فخرج أخواها عمّار والوليد، حتى قدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلّماه في أمرها ليردها إلى قريش، فنزلت الآية، فلم يردها صلّى الله عليه وسلّم.

وقيل: نزلت الآية في امرأة تسمّى سبيعة بنت الحارث الأسلمية، جاءت مؤمنة مهاجرة، وطلبوا ردّها. فنزلت «٢» الآية.

وقيل: نزلت في غيرها، ولعل سبب النزول متعدّد، وعلى أي حال فالآية في امرأة أو نساء جئن مهاجرات بعد صلح الحديبية.

وقد منعت الآية إرجاع هؤلاء النسوة إلى الكفار. فقيل: نزلت الآية بيانا لنص العقد، وأنه ما تناول إلّا الرجال، غير أنّ هذا يكون من تخصيص العام بالمتأخر، لأنّ نصّ عقد الصلح كان عاما «من جاء إلى محمد من قريش دون إذن وليه ردّه عليه»


(١) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (٧/ ٣٧٦) ترجمة (٧٥٨٥) .
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٥/ ٨٠) ، ٦٤- كتاب المغازي، ٣٦- باب غزوة الحديبية حديث رقم (٤١٨٠) .

<<  <   >  >>