للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الكمال بن الهمام: الظاهر من هذه الروايات أنّ صلاة أسعد بن زرارة للجمعة كانت قبل أن تفرض «١» .

ويرى العلامة ابن حجر أنّ الجمعة فرضت في مكة، ولم تقم بها، إما لعدم تكامل العدد، وإما لأنّ أمرها كان على الإظهار، والنبي صلّى الله عليه وسلّم كان في مكة غير متمكن من الإظهار.

وقال: إنّ أول من أقامها بالمدينة أسعد بن زرارة، بقرية على ميل من المدينة، فلعلّها فرضت، ثم نزلت الآية، ولكن يمنع من هذا ما

روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه خطب فقال: «إن الله فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا، إلى يوم القيامة، فمن تركها استخفافا بها، أو جحودا لها، فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ولا حج له، ولا صوم له، ولا برّ له حتى يتوب، فمن تاب تاب الله عليه» «٢»

. حيث ذكر في هذا الحديث أنّه لا حج له، والحج وإن كان قد اختلف في مبدأ افتراضه، إلا أنّهم صححوا أنه في السنة السادسة من الهجرة، فالظاهر أنّ الجمعة كانت بعد ذلك.

ويرى بعض آخر من العلماء أنّ أول من جمع بالناس مصعب بن عمير،

فقد أخرج الدارقطني عن ابن عباس قال: أذن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع أن يجمع بمكة، فكتب إلى مصعب بن عمير: «أما بعد، فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة، فتقرّبوا إلى الله بركعتين» قال: فهو أول من جمع، حتى قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة.

وقد جمع بين هذين بأنّ جمع أسعد كان بغير أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجمع مصعب كان بأمره، وأول جمعة صلّاها النبي صلّى الله عليه وسلّم كانت بعد مقدمه بأربعة أيام حيث أدركه وقتها في بني سالم بن عوف، فصلّاها في بطن واد لهم، حيث خطب صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى بالناس.

وقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ السعي المراد منه المشي دون إفراط في السرعة.

أخرج الستة في كتبهم عن أبي سلمة من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم، فصلّوا، وما فاتكم فأتموا» «٣» .


(١) انظر فتح القدير للإمام كمال الدين السيواسي المعروف بابن الهمام الحنفي بيروت، دار الفكر (٢/ ٥١) . [.....]
(٢) رواه ابن ماجه في السنن (١/ ٣٤٣) ، ٥- كتاب إقامة الصلاة، ٧٨- باب فرض الجمعة حديث رقم (١٠٨١) .
(٣) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٤٢٠) ، ٥- كتاب المساجد، ٢٧- باب ما يقال في تكبيرة الإحرام رقم (١٥١/ ٦٠٢) ، والبخاري في الصحيح (١/ ٢٤٦) ، ١١- كتاب الجمعة، ١٨- باب المشي إلى الجمعة حديث رقم (٩٠٨) .

<<  <   >  >>