في الليل الناهضة من مضاجعها للعبادة هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا والوطء المواطأة والموافقة، كالوطاء.
والقيل: القول كالمقال. والمراد به قراءة القرآن، أو مطلق الذّكر، أي إنها أشد موافقة ومصادفة للخشوع والإخلاص.
أو أن قلبها يكون بالليل أشد موافقة للسانها منه في سائر الأوقات، إذ يكون القلب في ساعات الليل حاضرا لا يشغله شاغل، ولا يصرفه عن خشية الله صارف.
وَأَقْوَمُ قِيلًا أي إنّ قولها يكون حينئذ أكثر اعتدالا واستقامة على نهج الصواب، لأنّ الأصوات هادئة، والليل ساكن، فلا يضطرب المصلي، ولا يختلط عليه قوله وقراءته.
وقيل: إن المراد بناشئة الليل العبادة فيه، ومعنى أن عبادة الليل أشدّ وطأ: أن موافقتها الإخلاص والخشوع في هذا الوقت أعظم منها في أي وقت آخر. أو أنّ قلب العابد فيها يكون أكثر موافقة للسانه منه في غير ذلك من الأوقات.
وقيل: المراد بناشئة الليل ساعاته، والمعنى عليه كسابقه، ولعلّ أحسن هذه الأقوال أوسطها.
أما موقع هاتين الآيتين مما قبلهما، فقال بعض المفسرين: إن أولاهما معترضة بين الأمر بالقيام وعلتها التي بينتها الآية الثانية، وهي قوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦) وإنّ السر في هذا الاعتراض هو تسهيل أمر القيام بالليل عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالموازنة بينه وبين ما سيوحى إليه من أنواع التكاليف وشدائد الأعمال.
ولكنّك ترى أنّه لا حاجة إلى جعل الآية الأولى معترضة بين ما قبلها وما بعدها، فإنّ ارتباطها بما قبلها واضح جدّا، وهي منه في منزلة العلة من المعلول، فكأنّ الله تعالى يقول لنبيه: قُمِ اللَّيْلَ وتجرد للعبادة، وأعد نفسك لما سيلقى عليك، لأنّا سنوحي إليك بأمور عظيمة، وسنحمّلك تكاليف ثقيلة تقتضيها طبيعة الرسالة التي اخترناك لها.
ثم إنّ هذا يتضمّن دعوى أنّ العبادة في جوف الليل تعينه صلّى الله عليه وسلّم، وتهيئه لتحمل أعباء الرسالة، والاضطلاع بشؤونها، فتأتي الآية الثانية وهي قوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦) لتعزيز الدعوى. فهي من سابقتها بمنزلة العلة من المعلول.
فكأنّ الله جل شأنه يقول: حقا إنّ قيام الليل يعينك على تحمل ما سنلقيه عليك، لأنّ عبادة الليل أشدّ مواطأة وموافقة للإخلاص والخشوع، وأكثر اعتدالا واستقامة على نهج الحق والصواب.