عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما من أنّ آخر سورة المزمل قد نزل بعد صدرها بحول، أو قريب من الحول، هو أنّ الأمر في قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ على ظاهره مفيد للوجوب، وتحمل الصلاة على ما كان مفروضا في النهار أول الأمر:
(ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي) وتحمل الزكاة على المفروضة أيضا، وهي زكاة المال التي فرضت في السنة الخامسة من البعثة، على ما هو الراجح، وبذلك يتمّ القول، ولا يكون هناك إشكال.
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً في «القاموس» : والقرض (بالفتح) ويكسر: ما سلّفت من إساءة أو إحسان، وما تعطيه لتقضاه. وفيه أيضا: وأقرضه: أعطاه قرضا.
وحينئذ يكون الكلام من باب المجاز، إذ المراد من إقراض الله إعطاء الفقراء والمساكين ما يعينهم، ويسد خلّتهم، فاستعمل فيه اللفظ الذي يدلّ على إعطاء الله جلّ وعلا، وعبّر فيه بالإقراض، للدلالة على أنّ ثوابه مضمون، وجزاءه لا شكّ في تحققه، كما أنّ القرض لصاحبه لا شكّ في حصوله إذا كان المستقرض وفيا كريما.
قال بعض المفسرين: إن المراد بالقرض الصدقات المندوبة أمر بها الأمر بالزكاة المفروضة، إذ العطف يقتضي المغايرة.
وحمله بعض آخر على نفس الزكاة السابقة، وقال: إنّ حكمة العطف إرادة الحث والتشجيع على أداء الزكاة من حيث إنها معتبرة كالقرض، لا يضيع معروفها، ولا ينقص شيء من ثوابها، وإنّ معنى وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أدوا الزكاة المفروضة عليكم على أحسن الوجوه، بأن تختاروها من أطيب الأموال وأنفعها للفقراء، وتخلصوا في ذلك النية، وترجوا به مرضاة الله. ولعلّ الوجه الأول هو الأرجح.
وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً.
خَيْراً هو المفعول الثاني لتجدوا، والضمير المنفصل توكيد للمفعول الأول، وهو- وإن كان ضمير رفع- قد وقع موقع ضمير النصب. ويصحّ أن يكون ضمير فصل.
المعنى: أنّ أيّ عمل تقدمونه في الدنيا، تبتغون به منفعتكم في الآخرة، سواء أكان متعلقا بالمال، أم بغيره، فإنكم تلقون به عند الله جزاء أحسن منه وأكثر نفعا.
وفسر ابن عباس المفضّل عليه بالوصية، فقد روي عنه أنه يقول: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت.
وقيل: إن المراد أنه خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا، إذ الفرق عظيم بين المتاع الدنيوي والنعيم الجزيل الأخروي.