عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
منسوخ بقوله: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ فهو خطأ أيضا، لأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم، وهذا الحكم باق لم ينسخ، فثبت أن قوله ضعيف، قال: ولأنه يبعد من الحكيم أن يجمع بين آيات متتاليات تكون كل واحدة منهما ناسخة للأخرى.
وقد تمسّك الحنفية بهذه الآية في عدم قتل الكافر اللاجئ للحرم ما دام لم يقاتل في الحرم.
ويحتجّ بعمومها فيمن قتل ثم لجأ إلى الحرم في أنه لا يقتل، لأن الآية لم تفرّق بين من قتل ومن لم يقتل في حظر قتل الجميع، فلزم بمضمون الآية ألا نقتل من وجدناه في الحرم، سواء كان قاتلا أو غير قاتل، إلا إذا قتل في الحرم، فإنه يقتل بقوله تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران: ٩٧] وقوله: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً والمسألة مبسوطة في كتب الفقه.
كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ أي ما قدمناه من قتل الكافرين المقاتلين على ما وصفنا، وبشروطه التي ذكرنا.
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) أي فإن كفوا عن قتالكم، ورجعوا عن الكفر، فإنّ الله يغفر لهم ما تقدّم منهم ويرحمهم، كما في قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال: ٣٨] .
وقد ذهب ابن عباس إلى أن معنى الآية: فإن انتهوا عن القتال.
وذهب الحسن إلى أن المعنى: فإن انتهوا عن الشرك، لأنه لا غفران لهم إلا إذا انتهوا عن الشرك إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.
قال الله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) أي اقصدوا بقتالهم أن تزول الفتنة والكفر وأنواع الإيذاء والضرر التي تلحق المسلمين بوجودهم في مكة، وقد ورد
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبقينّ في جزيرة العرب دينان» «١» .
والحكمة في هذا تشير إليها الآية الكريمة حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ولو أنّ المسلمين ساروا على مقتضى هذه الحكمة في قواعد ملكهم التي أنشئوها في غير
(١) وبمعناه رواه البخاري (٥/ ١٥٩، ٦٤- كتاب المغازي، ٨٤- باب مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث رقم (٤٤٣١) ومسلم في الصحيح (٣/ ١٢٥٧) ، ٢٥- كتاب الوصية، ٥- باب ترك الوصية حديث رقم (٢٠/ ١٦٣٧) .