هذا، يعني هناك أمور قد تجري على القواعد، لكن السلف لا يجرونها على القواعد لأمر أهم وأعظم، يعني كما في حديث ابن مسعود:((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يعني جاء في بعض الأحاديث: ((ليعمل بعمل أهل الجنة ... وبعمل أهل النار فيما يبدو للناس)) يعني الأصل والقاعدة حمل المطلق على المقيد، لكن لا تجد السلف يحملون المطلق على المقيد في مثل هذا، لماذا؟ لأن الإطلاق أكثر تأثير في النفس، تجعل الإنسان على خوف وعلى وجل من العاقبة وسوئها، لكن بعض الناس خلاص يضمن ما دام فيما يبدو للناس يزكي نفسه يضيف إلى ذلك سوء فيزكي نفسه، ويقول: أنا في حقيقة الأمر ما .. ، ظاهري مثل باطني، يعني ما يحقر نفسه أن يقول: ولو كان مخلصاً أخشى أن يكون عملي فيما يبدو للناس، فمثل هذا يهتم له طالب العلم، ولا شك أن المدح ضار، والتجربة والواقع يشهد بأن من مدح بما فيه وأقر وسكت لا بد أن يسمع من الذم بما فيه، جزاء وفاقاً، أما إذا مدح بما ليس فيه وسكت لا بد أن يسمع من الذم ما ليس فيه، هذا مجرب.
وشيخ الإسلام -رحمه الله- فيما ذكره عنه ابن القيم في أواخر المجلد الأول من مدارج السالكين، يقول:"أنا لست بشيء، ولا لي شيء، ولا عندي شيء، ولا مني شيء، أنا المكدي، وابن المكدي، وكذا كان أبي وجدي" وهو شيخ الإسلام الذي ملء الدنيا علماً بقال الله وقال رسوله، ما هو بدعاوى، ثم قال ابن القيم:"وكان إذا مدح في وجهه قال: "أنا في كل وقت أجدد إسلامي" العامل العالم العابد الزاهد الإمام المجاهد الرباني يقول هذا الكلام؟! إن طالب العلم لا يكاد يطأ الأرض من تذكر حاله، وأنه اليوم طالب العلم وغداً هو عالم الأمة، على كل حال على الإنسان أن يحرص ويتحرى ويتحسس في هذا الباب، ويكون على ذكر دائم منه؛ لأنه الشيطان حريص يستغل الفرص في إضلال الناس وإغوائهم.