يقول: "وقد تغالى كثير من طلاب الحديث وعلمائه في طلب علو الإسناد، وجعلوه مقصداً من أهم المقاصد لديهم حتى كاد ينسيهم الحرص على الأصل المطلوب في الأحاديث، وهو صحة نسبتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... يقول: وتأمل في كلمتي ابن المبارك والسلفي اللتين نقلنا آنفاً، واجعلهما دستوراً لك في طلب السنة، والتوفيق من الله -سبحانه وتعالى- ... قال: وقال ابن المبارك: ليس جودة الحديث قرب الإسناد، بل جودة الحديث صحة الرجال، وقال السلفي: الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة، على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذٍ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق.
اللهم صل وسلم ....
في اهتمام من قبل طلاب العلم على مر العصور إلى وقتنا هذا بتحصيل الأسانيد والإجازات، وتجد طالب العلم الحريص على هذه الأمور يضيع من المهمات ما هو أضعاف ما يحصله من هذه الأجايز التي في أسانيدها ما يعتريها من ضعف، ثم تجده يسافر الأيام والليالي ويقضي الأوقات ويضيع المهمات كله من أجل أن يقول: حصلت على كذا إجازة، وعندي إجازة من فلان أو علان، ولو اقتصر على واحدة أو اثنتين ممن يرتضيهم من أهل العلم، ممن يرتضي علمه وعمله كان أولى من هذا الجمع الذي أكثره لا قيمة له إلا مجرد قول إن عنده إجازات.
يعني كون الإنسان يحتفظ بإجازة أو إجازتين أو ثلاث من شيوخ يعتز بالانتساب إليهم أفضل بكثير من أن يجمع عشرات، بل مئات الإجازات من شيوخ لا قيمة لهم، ولا اعتبار بهم، ويضيع بسبب ذلك ما هو أهم من النظر في المتون والاستنباط والعمل، إضافة إلى تحصيل العلوم الأخرى المعينة على تحصيل نصوص الوحيين، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.