إذا وصل إلى هذا الحد قالوا: بلغ التواتر، بعض الغيورين على السنة -السنة هنا بمعنى العقيدة- يرون أن هذا التقسيم دسيس ودخيل على علوم الحديث، وأنه يجب أن ينكر ويستنكر، وينفى ويبعد عن علوم الحديث، وأن علوم الرواية لا تشاب بمثل هذه الاصطلاحات التي منشأها ومبتدأها من أهل بدع، لا سيما أن لها لوازم، قالوا: الآحاد عندهم لا يفيد إلا الظن، والمتواتر يفيد القطع، وتقدم مبحث هذا في باب خاص ما يفيد الخبر، هذا تقدم، ورتبوا على ذلك أن العقائد لا تثبت بالآحاد؛ لأنه لا يفيد إلا الظن، إنما تثبت بالمتواتر، وأنكروا بعض مسائل الاعتقاد لا سيما ما يتعلق بالله -جل وعلا- من الأسماء والصفات؛ لأنها إنما ثبتت بأخبار آحاد ولو كانت في البخاري أو في مسلم والآحاد لا تفيد إلا الظن، والظن لا مدخل له في هذا العلم في العقائد، لكن إذا قلنا: إن الشرع واحد، وجاء من رب واحد، عن طريق رسول واحد، فهو متساوي الأقدام، يتساوي في ذلك العقائد والأحكام وغيرها من أبواب الدين، وقلنا: إنها كلها تثبت بما صح وثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، سواءً بلغت حد التواتر أو لم تبلغ انتفى المحظور، فلا نلتزم باللازم الذي التزمه المبتدعة، علماً بأن هذا التقسيم -تقسيم الأخبار- موجود عند أهل الحديث، الحاكم، البيهقي، شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن القيم، ابن عبد البر، وجمع غفير من أهل العلم يثبتون التقسيم هذا، يمثل أهل العلم للمتواتر في اللفظ والمعنى بحديث:((من كذب)) على ما سيأتي، لفظه ومعناه متواتر، ويمثلون للتواتر المعنوي بالأحاديث الكثيرة التي تدل على قضية واحدة، وإن اختلفت مخارجها، كالمسح على الخفين مثلاً، وحديث الحوض، وعذاب القبر، وأبواب كثيرة حكم أهل العلم بأنها متواترة في قضايا متعددة، حديث رفع اليدين، قضايا متعددة تدل على موضوع واحد، لفظها غير متواتر، لكن معانيها متواترة، وشيخ الإسلام يمثل للمتواتر لفظاً بحديث:((من كذب)) وللمتواتر معنىً فضائل أبي بكر وعمر مثلاً، وفي كل كتاب يذكر مثالاً يناسب الكتاب، يعني كرر في منهاج السنة أن فضائل أبي بكر وعمر متواترة تواتراً معنوياً، وإذا لم نلتزم باللازم فلا ضير حينئذٍ أن يثبت هذا