ذلك، تجد الناس يميلون إلى هذا العابد أكثر مما يميلون إلى ذلك العالم الذي بذل نفسه للناس، مقتضى البذل للناس واستقبال الناس أن يتوسع في أمر من أمور الدنيا؛ لأن هذا يقتضي كثرة الكلام، كثرة الاستقبال، تجده يحتاج إلى مكان أوسع، تجده يحتاج إلى شيء يعينه على استقبال الناس، يعني عيشة بعض أهل العلم وهم من الزهاد في الحقيقة، تجد مثلاً إذا نظرت في الظاهر إلى عيشة أمراء، يعني من أزهد الناس ممن أدركناه الشيخ ابن باز مثلاً، لكن إذا جئت المجلس وجدت ... مظاهر واضح أنه يجتنبها كثير من أهل الزهد، الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- من الزهاد، لكن مع ذلك إذا دخلت المجلس فيسح وكبير، وإذا فيه الأمور المريحة من تكييف وألوان وأصباغ، ما تجده عند شخص زاهد لا يستقبل الناس ولا يعتني بهم، فحاجة الناس أو الذي يستقبل الناس لا شك أنه يحتاج إلى شيء من التوسع، فالناس ينظرون إليه من هذه الزاوية أنه شخص متوسع، تجد السيارة الفارة، تجد المكان الواسع الفسيح مما يقتضيه الحاجة إلى استقبال الناس تدعو إلى هذا، فهذا الذي نظر إلى ابن عباس بأنه رجل مالت به الدنيا ومال بها، ابن عباس يحتاج إلى مثل هذا؛ لأنه يستقبل عموم الناس، ابن عمر أكثر وقته في العبادة، والعبادة أي مكان يكفيه، وهذا الشيء ملاحظ، تجدون من يحتاج إلى استقبال الناس وإلى نفع الناس إلى شيء من التوسع، بينما الذي هو بخويصة نفسه وإن كان ينفع الناس في طريقه من البيت إلى المسجد أو كذا، لكن ما يستقبلهم ولا يفتح لهم بابه، ولا يستوعب الأعداد، وأيهما أفضل حينئذٍ؟ هل نقول: إن النفع المتعدي أفضل من القاصر؟ ونقول: إذا كان صيامك يعوقك عن استقبال أكبر عدد من ناس تنفعهم فالأفضل في حقك عدم الصيام؟ وعلى هذا يخرج عدم صيام النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من .. ، ما صام صيام داود -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في الحديث الصحيح عن عائشة أنه ما صام العشر -عشر ذي الحجة-، نقول: إنه يحتاج .. ، واستقبال الناس ومعاناة الناس تحتاج إلى شيء من التعب البدني والكلفة، فيؤثر النفع المتعدي على القاصر.