"أو وقف ما يرفع" الإمام أحمد -رحمه الله-، وهو من هذا النوع؛ ترجح عنده وقف حديث ابن عمر في رفع اليدين بعد الركعتين قال: وهو موقوف على ابن عمر، بينما الإمام البخاري ترجح له الوصل، وخرجه مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيحه.
من يجرؤ أن يحكم بين هذين الإمامين؟ وبعض الناس يطالب آحاد المتعلمين، ويلقي عليهم أن يقف أمام هذين الجبلين الشامخين، ويرجح، أقول: ما يستطيع أن يرجح إلا إ ذا كان في مصافهم، إذا تعب تعباً شديداً على هذا العلم، وعاناه معاناةً بحيث اختلط بلحمه، ودمه، وصار يستطيع الحكم بالقرائن، اتضح له من القرائن ما لم يتضح لنا، وسببه كثرة الحفظ، كثرة الحفظ، قد يقول قائل: حنا بضغطة زر -ولله الحمد- يجتمع لنا مائة طريق لحديث واحد، لكن كيف تتعامل مع هذه الطرق الذين، حفظوا هذه الأحاديث، وعاصروا الرواة، وعاشروهم، وعرفوا ما يليق بفلان، وما لا يليق به، آلياً يصدرون الأحكام، لكن أنت مراحل، قد يكون ذهنك حاضر في هذه المرحلة، ثم يعزب الذهن في المرحلة التي تليها؛ لماذا؟ لأن المعلومات ليست حاصرة في ذهنك، يعني كأنك تطبخ وجبة غداء، والمواد في البقالة، بينما الأئمة يطبخون هذه الوجبة، والمواد في القدر عندهم، في الذهن حاضرة في الذهن، فشتان، يعني ولا نقفل باب الاجتهاد في هذا الباب –أبداً-، يعني من تأهل لمثل هذه الأمور، لكن دون ذلك خرط القتاد بالنسبة لآحاد الطلاب، يعني من يستطيع أن يقول: الإمام البخاري، يقف أمام البخاري يقول: لا، الخبر موقوف؛ لأن الإمام أحمد قال: هو موقوف، أو العكس، لكن الذي يسلينا في مثل هذا أن الأمة تلقت صحيح البخاري بالقبول، فيرجح ما به، لكن لو افترضنا أن حكم البخاري على الحديث بالرفع منقول عنه في جامع الترمذي مثلاً، سأله أبو عيسى فقال: الصحيح، أو الأصح الرفع، والإمام أحمد يقول: الأصح الوقف، أنت ما لك إلا تقف أمام هذين الإمامين، لكن الحديث موجود في صحيح البخاري مرفوع لا يعدل به شيء، البخاري مع الإمام أحمد ند، كل واحد منهما ند للآخر، لكن ما خرج في هذا الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول لا يرجح عليه غيره.