من الحديث ما قد تقدما، مثل ما ذكرنا، يعني لو افترضنا أنه روى مائة حديث في حال الاستقامة، ثم كذب في حديث واحد؛ ترد كل المائة لماذا؟ لأن العبرة بالخاتمة، وتبين لنا من خلال ما ختم له به أن استقامته في الظاهر، وأنه في الباطن ليس بمستقيم، ولو كان مستقيماً ظاهراً، وباطناً لما خذل في آخر الأمر، وهذا يذكرنا بحديث:((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه، وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) لا سيما إذا استحضرنا رواية: ((يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس))، فالذي يعمل بعمل أهل الجنة، ثم يرتد في آخر العمر؛ هل نقول أن عمله الأول صحيح؟ كونه يحبط يحبط، لكن هل هو صحيح هذا العمل، أو أننا نحكم بأنه في الظاهر، وأما في الباطن لا بد أن يكون فيه دخن؟ وقد انطوى هذا العامل، وإن كان عمله في الظاهر سليم، إلا أنه قد انطوى على شيء، على طوية، ودخيلة تؤثر على هذا العمل، بدليل أنه خذل في آخر الأمر، والفواتح كما يقول أهل العلم عنوان الخواتم، يعني لو كان في عمله هذا صادقاً مع الله -جل وعلا- لما خذل، وجه الارتباط بين قول السمعاني، وبين الحديث، ما وجه الارتباط؟ السمعاني يقول: باعتبار أنه كذب في آخر شيء نعم، أبطلنا أحاديثه الأولى؛ لأن كونه ثقة إنما هو فيما يبدو للناس، وهو في الحقيقة ليس بثقة، بدليل أنه خذل في آخر الأمر، وختم له بهذه الخاتمة السيئة، يعني الربط بين كلام السمعاني، وبين هذا الحديث ظاهر، لكن هل يجرؤ الإنسان أن يبطل عمل؛ لأن صاحبه في آخر الأمر ارتد؟ الإحباط منصوص عليه، لكن هل يحبط مطلقاً، أو حبوطه معلق بموته على الكفر؟ وهذا –أيضاً- له أثر فيما نحن فيه، افترضنا راوٍ روى مائة حديث، وهو موثق، ثم كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم تاب، توبة نصوحاً، هل نقول: إن المائة الحديث الأولى باطلة باعتبار أنه تعقبها كذب، ولو تاب بعده، أو نقول: إن هذه المائة الحديث التي رواها في حال الاستقامة لا علاقة لها بكذبه بدليل أنه ختم له بخير؟ فهذا فرع عن الردة، فهل هي محبطة مطلقاً؟ هل هي محبطة للعمل مطلقاً؟ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(٦٥) سورة الزمر]؟