للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربه فتاب عليه وهدى، وذنب إبليس كان بترك المأمور، فكان عاقبته ما ذكر اللَّه سبحانه، وجعل هذا عبرة للذرية إلى يوم القيامة.

الثامن: أن المأمور محبوب للرب تعالى، والمنهيُّ مكروه له، وهو سبحانه إنما قدره وقضاه لأنه ذريعة إلى حصول محبوبه من عبده ومن نفسه تعالى؛ أما من عبده فبالتوبة والاستغفار والخضوع والذل والانكسار وغير ذلك، وأما من نفسه فبالمغفرة والتوبة على العبد والعفو عنه والصفح والحلم والتجاوز عن حقه وغير ذلك مما هو أحب إليه تعالى من فواته بعدم تقدير ما يكرهه. وإذا كان إنما قدَّر ما يكرهه لأنه يكون وسيلة إلى ما يحبه، عُلم أن محبوبه هو الغاية، ففوات محبوبه أبغض إليه وأكره له من حصول مبغوضه.

بل إذا ترتب على حصول مبغوضه ما يحبه من وجه آخر كان المبغوض مرادًا له إرادةَ الوسائل، كما كان النهي عنه وكراهته لذلك.

وأما المحبوب فمرادٌ إرادةَ المقاصد كما تقدم (١)، فهو سبحانه إنما خلق الخلق لأجل محبوبه ومأموره، وهو: عبادته وحده، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)[الذاريات: ٥٦].

وقدر مكروهه ومبغوضه تكميلًا لهذه الغاية التي خلق خلقه لأجلها، فإنه ترتب عليه من المأمورات ما لم يكن يحصل بدون تقديره، كالجهاد الذي هو أحب العمل إليه، والموالاة فيه والمعاداة فيه، ولولا محبته لهذه المأمورات لما قدر من (٢) المكروه له ما يكون سببًا لحصولها.


(١) في الوجه الأول من هذه الأوجه.
(٢) ليست في الأصل، وأثبتها من النسخ الثلاث الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>