للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكاثر بالشيء لا المتكاثر به، كما يُقال: شغلك اللعب واللهو، ولم يذكر ما يلعب به ويلهو به.

وإما إرادة الإطلاق (١)، وهو كل ما يكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا من مال أو جاه أو عبيد أو إماء أو بناء أو غراس أو علم لا يبتغي به وجه اللَّه أو عمل لا يقربه إلى اللَّه، فكل هذا من التكاثر الملهي عن اللَّه والدار الآخرة.

وفي "صحيح مسلم" من حديث عبد اللَّه بن الشخير أنه قال: انتهيت إلى النبي وهو يقرأ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)﴾ قال: "يقول ابن آدم مالي مالي (٢). وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت، أو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت" (٣).

ثم أوعد سبحانه من ألهاه التكاثر وعيدًا مؤكدًا إذا عاين تكاثره هباء منثورًا، وعلم أن دنياه التي كاثر بها إنما كانت خدعًا وغرورًا، فوجد عاقبة تكاثره عليه لا له، وخسر هنالك تكاثره كما خسر أمثاله، وبدا له من اللَّه ما لم يكن في حسابه، وصار تكاثره الذي شغله عن اللَّه والدار الآخرة من أعظم أسباب عذابه، فعذّب بتكاثره في دنياه، ثم عذّب به في البرزخ، ثم يعذّب به يوم القيامة فكان أشقى الخلق بتكاثره، إذ أفاد منه العطب دون الغنيمة والسلامة، فلم يفزْ من تكاثره إلا بأن صار من الأقليق، ولم يحظَ من علوه في الدنيا إلا بأن حصل مع الأسفلين.

فيا له تكاثرًا ما أقلّه؟! ورزءًا ما أجلّه؟! وغناء جالبًا لكل فقر،


(١) الأصل: "أراده للإطلاق".
(٢) سقطت من الأصل، واستدركتها من النسخ الثلاث الأخرى.
(٣) "صحيح مسلم" رقم (٢٩٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>