وخيرًا توصّل به إلى كل شر، يقول صاحبه إذا انكشف عنه غطاؤه: ﴿يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤)﴾ [الفجر: ٢٤]، وعملت بطاعة اللَّه قبل وفاتي ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ [المؤمنون: ٩٩، ١٠٠] تلك كلمة يقولها فلا يعوّل عليها، ورجعة يسألها فلا يجاب إليها.
وتأمل قوله أولًا: ﴿رَبِّ﴾ استغاث بربه، ثم التفت إلى الملائكة الذين أمروا بإحضاره إلى بين يدي ربه ﵎ فقال: ﴿ارْجِعُونِ﴾ ثم ذكر سبَب سؤال الرجعة وهو: أن يستقبل العمل الصالح فيما ترك خلفه من ماله وجاهه وسلطانه وقوله وأسبابه، فيقال له: ﴿كَلَّا﴾، لا سبيل لك إلى الرّجعى وقد عُمّرتَ ما يتذكر فيه من تذكّر.
ولما كان شأن الكريم الرحيم أن يجيب من استقاله، وأن يفسح له في المهلة؛ ليتدارك ما فاته، أخبر سبحانه أن سؤال هذا المفرّط الرجعة كلمة هو قائلها لا حقيقة تحتها، وأن سجيّته وطبيعته تأبى أن تعمل صالحا لو أجيب، وأنما ذلك شيء يقوله بلسانه، وأنه لو رُدّ لعاد لما نهي عنه، وأنه من الكاذبين، فحكمة أحكم الحاكمين وعزته وعلمه وجدّه يأبى إجابته إلى ما سأل؛ فإنه لا فائدة في ذلك، ولو ردّ لكانت حاله الثانية مثل حاله الأولى، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨)﴾ [الأنعام: ٢٧، ٢٨].
وقد حام أكثر المفسرين حول معنى هذه الآية، وما وردوا. فراجع أقوالهم تجدها لا تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا (١)، ومعناها أجل
(١) انظر على سبيل المثال: "تفسير البغوي" (٢/ ٩٢)، و"تفسير ابن كثير" (٢/=