للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

فسمع الناس بها فخرجوا في طلبها على وجوههم، فمروا في طريقهم بتلك الشجرة على أثر تعب ونصب وحرٍّ وظمأ، فنزلوا كلهم تحتها، واستظلوا بظلّها، وذاقوا حلاوة ثمرها، وسمعوا نغمات أطيارها، فقيل لهم: إنما نزلتم تحتها لتحموا أنفسكم، وتضمّروا مراكبكم للسباق، فتهيأوا للركوب وكونوا على أهبة، فإذا صاح النفير ابتدرتم حلبة السباق.

فقال الأكثرون: كيف ندع هذا الظلّ الظليل، والماء السلسبيل، والفاكهة النضيجة، والدعة والراحة، ونقتحم هذه الحلبة في الحرّ والغبار والتعب والنصب والسفر البعيد والمفاوز المعطشة التي تتقطع فيها الأعناق؟! وكيف نبيع النقد الحاضر بالنسيئة الغائبة (١) إلى الأجل البعيد؟! ونترك ما نراه لما لا نراه، وذرّة منقودة في اليد أولى من درّة موعودة بعد غد، خذ ما تراه ودع شيئًا سمعت به (٢)، ونحن بنو اليوم، وهذا عيش حاضر كيف نتركه لعيش غائب (٣) في بلد بعيد لا ندري متى نصل إليه؟!

ونهض من كل ألف واحد فقالوا: واللَّه ما مقامنا في ظل زائل تحت شجرة قد دنا قلعها، وانقطاع ثمرها، وموت طيورها، وترك المسابقة


(١) ساقطة من الأصل، وأثبتها من النسخ الأخرى.
(٢) قوله: "خذ ما تراه وح شيئًا سمعت به" هو صدر بيت، وعجزه: "في طلعة البدر (الشمس) ما يغنيك عن زحل". وهو للمتنبي. انظر: "ديوان المتنبي" (١/ ١٦٢).
(٣) ساقطة من الأصل، وأثبتها من النسخ الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>