للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمعه وصرفه، فإذا سلم كسبه وحسن، وأخذه من وجهه وصرفه في حقّه، كان أنفع له.

فالفقير كالمتعبد المنقطع عن الناس، والغنيّ المنفق في وجوه الخير كالمفتي والمعلم والمجاهد؛ ولهذا جعله النبي قرين الذي آتاه اللَّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، فهو أحد المحسودين الذين لا ثالث لهما (١)، والجهلة يغبطون المنقطع المتخلي المقصور النفع على نفسه، ويجعلونه أولى بالحسد من الغنى المنفق والعالم المعلم.

فإن قيل: فأيهما أفضل: من يختار الغنى للتصدق والإنفاق في وجوه البرّ، أم من يختار الفقر والتقفل ليبعد من الفتنة ويسلم من الآفة، ويرفه قلبه على الاستعداد للآخرة فلا يشغله بالدنيا؟ أم من لا يختار لا هذا ولا هذا بل يختار ما يختار اللَّه له فلا يُعنى باختياره واحدًا من الأمرين؟

قيل: هذا موضع اختلف فيه حال السلف الصالح:

فمنهم من اختار المال للجهاد به والإنفاق، وصرفه في وجوه البرّ، كعبد الرحمن بن عوف وغيره من مياسير الصحابة، وكان قيس ابن سعد يقول: "اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى" (٢).

ومنهم من اختار الفقر والتقلّل كأبي ذرّ وجماعة من الصحابة معه،


(١) سبق تخريج هذا الحديث في ص (٤٩٤).
(٢) لم أقف عليه هكذا.
وإنما روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٩/ ٤١٧) عنه أنه قال: "اللهم هب لي حمدًا ومجدًا، لا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا بمال. . . ".
وقد سبق هذا عن أبيه أيضًا. انظر ص (٥٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>