للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء نظروا إلى آفات الدنيا، وخشوا الفتنة بها، وأولئك نظروا إلى مصالح الإنفاق وثمراته العاجلة والآجلة.

والفرقة الثالثة لم تختر شيئًا، بل كان اختيارها ما اختاره اللَّه لها.

وكذلك اختيار طول البقاء في الدنيا لإقامة دين اللَّه وعبادته: فطائفة اختارته وتمنّته.

وطائفة أحبت الموت ولقاء اللَّه، والراحة من الدنيا،

وطائفة ثالثة لم تختر هذا ولا هذا، بل اختارت ما اختاره اللَّه لها، وكان اختيارهم معلقًا بما يريده اللَّه دون مراد معين منهم، وهي حال الصديق فإنهم قالوا له في مرض موته: ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال: "قد رآني"، قالوا: فما قال لك؟ قال: "قال: إني فعال لما أريد" (١).

والأولى: حال موسى صلوات اللَّه وسلامه عليه، فإنه لما جاءه ملك الموت لطمه، ففقأ عينه (٢)، ولم يكن ذلك حبًّا منه للدنيا والعيش فيها، ولكن لينفّذ أوامر ربّه، ويقيم دينه، ويجاهد أعداءه، فكأنه قال لملك الموت: أنت عبد مأمور، وأنا عبد مأمور، وأنا في تنفيذ أوامر ربّي وإقامة دينه، فلما عرضت عليه الحياة الطويلة وعلم أن الموت بعدها، اختار ما اختار اللَّه له.


(١) سبق تخريجه ص (١٧٨).
(٢) قصة لطم موسى لملك الموت رواها: البخاري في "صحيحه" رقم (٣٤٠٧)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٣٧٢)، كلاهما من حديث أبي هريرة .
أما فقأه عين الملك فهي عند مسلم فقط في الحديث نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>