للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: إن "ثُمَّ" فيه لترتيب الأخبار كالفاء، إلا أنه قصد هنا التنبيه على تراخي الإيمان وتباعُده في الرتبة عن العِتق والصدقة، لا ترتيب الزمان.

وأما قوله: ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ فعلى حذف المضاف، أي: خلقنا أباكم، يريد من تراب ثم صوَّرناه أي جعلناه صورةً ناطقة حيَّةً، لأن أمر الملائكة بالسجود لآدم إنما كان بعد نفخ الرُّوح فيه، وليس المراد بالتصوير نفسَ الخَلق.

وأما قوله ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ فمعناه: تمادى على ذلك، ودام وثبت، كقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]؛ إنما طلبوا التثبيت على الهدى؛ لأنهم في الحين مهتدون …

والدليل على لزوم الترتيب لها استقراءُ المتقدِّمين المتحقِّقين بكلام العرب" (١).

المثال الثالث: تغيُّر معنى الكلام بسبب الاختلاف في حمله على الاستثناء المتصل أو المنفصل:

يحتمل أن يكون الاستثناء في قوله تعالى: ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ٢٧] متصلًا ومنفصلًا.

فإذا بَنينا على الاتصال، فكأنه يقول: ما كتبناها عليهم إلا على هذا الوجه الذي هو العمل بها ابتغاء رضوان الله، فالمعنى: أنها مما كُتبت عليهم، أي: مما شُرعت لهم، لكن بشرط قصد الرضوان، ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧]؛ يريد أنهم تركوا رعايتها حين لم يؤمنوا برسول الله ، وهو قول طائفة من المفسِّرين؛ لأن قصد الرضوان إذا كان شرطًا في العمل بما شُرع لهم، فمن


(١) المقاصد الشافية ٥/ ٨٧ - ٨٩.

<<  <   >  >>