مقالةٌ في حُكم الاشتغال بالعربية، وأثر الأهلية والغرائز الفطرية في تقريره
"اتفَق أهل الشرائع على أن علوم الشريعة أفضل العلوم وأعظمها أجرًا عند الله يوم القيامة، ولا علينا أسامَحَنا بعض الفرق في تعيين العلوم الشرعية - أعني العلوم التي نبَّه الشارع على مزيتها وفضيلتها - أم لم نُسامِحهم، بعد الاتفاق من الجميع على الأفضلية وإثبات المزية.
وأيضًا فإن علوم الشريعة منها ما يجري مجرى الوسائل بالنسبة إلى السعادة الأخروية، ومنها ما يجري مجرى المقاصد، والذي يجري منها مجرى المقاصد أعلى مما ليس كذلك - بلا نزاع بين العقلاء في ذلك -، كعِلم العربية بالنسبة إلى عِلم الفقه، فإنه كالوسيلة، فعِلم الفقه أعلى" (١).
و"طلبُ الكفاية، يقول العلماء بالأصول: إنه متوجِّه على الجميع، لكن إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين.
وما قالوه صحيح من جهة كُليِّ الطلب، وأما من جهة جزئيه؛ ففيه تفصيل، وينقسم أقسامًا، وربما تشعَّب تشعُّبًا طويلًا، ولكن الضابط للجملة من ذلك؛ أن الطلب واردٌ على البعض، ولا على البعض كيف كان، ولكن على مَن فيه أهلية القيام بذلك الفعل المطلوب، لا على الجميع عمومًا.
والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النصوص الدالة على ذلك، كقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ