للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ [التوبة: ١٢٢] الآية؛ فورد التحضيض على طائفة لا على الجميع.

وقوله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عمران: ١٠٤] الآية، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ١٠٢] الآية، إلى آخرها.

وفي القرآن من هذا النحو أشياء كثيرة، ورَد الطلب فيها نصًّا على البعض لا على الجميع.

والثاني: ما ثبت من القواعد الشرعية القطعية في هذا المعنى كالإمامة الكبرى أو الصغرى، فإنها إنما تتعيَّن على مَن فيه أوصافُها المرعيَّة لا على كلِّ الناس، وسائر الولايات بتلك المنزلة إنما يُطلب بها شرعًا باتفاق مَن كان أهلًا للقيام بها والغَناء فيها، وكذلك الجهاد - حيث يكون فرضَ كفاية - إنما يتعيَّن القيام به على مَن فيه نَجْدَة وشجاعة، وما أشبه ذلك من الخِطَط الشرعية؛ إذ لا يصحُّ أن يُطلَب بها من لا يُبدِئ فيها ولا يُعيد؛ فإنه من باب تكليف ما لا يطاق بالنسبة إلى المكلَّف، ومن باب العبث بالنسبة إلى المصلحة المجتلَبة أو المفسدة المستدفَعة، وكلاهما باطل شرعًا.

والثالث ما وقع من فتاوي العلماء، وما وقع أيضًا في الشريعة من هذا المعنى؛ فمن ذلك ما روي عن محمد رسول الله وقد قال لأبي ذَرٍّ: "يا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وإِنِّي أُحِبُّ لَكَ ما أُحِبُّ لنَفْسِي، لا تأمَّرَنَّ على اثْنَيْنِ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ" (١)، وكلا الأمرين من فروض الكفاية، ومع ذلك فقد نهاه عنهما، فلو


(١) أخرجه مسلم (١٨٢٦).

<<  <   >  >>