فُرِض إهمال الناس لهما، لم يصحَّ أن يقال بدخول أبي ذَرٍّ في حَرَج الإهمال، ولا مَن كان مِثله …
وعلى هذا المهيع جرى العلماء في تقرير كثير من فروض الكفايات؛ فقد جاء عن مالك أنه سُئل عن طلب العِلم: أفرضُ هو؟ فقال:"أمَّا على كلِّ الناس، فلا"(١)، يعني به الزائدَ على الفرض العيني.
وقال أيضًا:"أما مَن كان فيه موضعٌ للإمامة، فالاجتهاد في طلب العِلم عليه واجبٌ، والأخذ في العناية بالعِلم على قدر النية فيه".
فقسَم - كما ترى -، فجعل مَن فيه قبولية للإمامة مما يتعيَّن عليه، ومَن لا، جعله مندوبًا إليه، وفي ذلك بيان أنه ليس على كلِّ الناس …
وبالجملة؛ فالأمر في هذا المعنى واضح، وباقي البحث في المسألة موكول إلى عِلم الأصول.
لكن قد يصحُّ أن يقال: إنه واجب على الجميع على وجه من التجوز؛ لأن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامَّة؛ فهم مطلوبون بسَدِّها على الجملة؛ فبعضُهم هو قادر عليها مباشرةً، وذلك من كان أهلًا لها، والباقون - وإن لم يقدِروا عليها - قادرون على إقامة القادرين، فمَن كان قادرًا على الولاية؛ فهو مطلوب بإقامتها، ومَن لا يقدر عليها؛ مطلوب بأمر آخَر، وهو إقامة ذلك القادر وإجباره على القيام بها؛ فالقادر إذًا مطلوب بإقامة الفرض، وغير القادر مطلوب بتقديم
(١) أخرجه ابن عبد البر في: جامع بيان العلم ١/ ٥٣ (٣٢)؛ وذكره عياض في: ترتيب المدارك ٢/ ٦١.